إسرائيل والظهير الأفريقي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم تجد إسرائيل أفضل ولا أنسب من اللحظة العربية والإقليمية الراهنة، وما يعتمل فيها من معطيات، لأجل تنشيط دبلوماسيتها الأفريقية وإعادة التغلغل في أحشاء القارة السمراء.

البيئة العربية تبدو، على الصعيد المجتمعي الداخلي، مشحونة بما يشغل الجميع عما تدبره تل أبيب من تشبيكات عميقة الغور؛ متعددة الأبعاد، مع الأفارقة.

من دلائل هذه الحقيقة، التحضيرات التي تجري على قدم وساق، وإن بنعومة ملحوظة ومن دون احتفالات إعلامية، لعقد قمة أفريقية إسرائيلية بحتة؛ تستضيفها توجو في أكتوبر القادم، حول التعاون في كافة القضايا، ولا سيما مجالات التكنولوجيا المتقدمة والاتصالات والزراعة والأمن.

ستكون مجموعة دول غربي أفريقيا أبرز المشاركين في هذه القمة. وهذا توجه مقصود من لدن السياسة الإسرائيلية.

يقول بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي إن «.. إسرائيل تود العودة إلى أفريقيا على نطاق واسع، وهي تولي عناية استثنائية لعلاقاتها مع غربي القارة..».

حصيلة هذا الاهتمام لم تتأخر، إذ تمكن نتنياهو من استقطاب السنغال؛ صاحبة التأثير الفارق على نحو عشرين دولة ناطقة بالفرنسية في غربي القارة، ولنا أن نقدر مغزى هذه الخطوة بشكل أوضح، إذا تذكرنا أن السنغال هي إحدى الدول التي تبنت قبل أقل من عام قرار مجلس الأمن الشهير رقم 2334 ؛ الذي جرم الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وكان ذلك كافياً لإثارة غضب إسرائيل العارم ضد داكار، وصولاً إلى سحب السفير الإسرائيلي منها وإغلاق برامج المساعدات الممنوحة لها من تل أبيب.

لقاء نتنياهو مع الرئيس السنغالي، أثناء أحدث قمم المجموعة الاقتصادية لدول غربي أفريقيا (الايكواس)، كان كافياً لمحو آثار هذه المغاضبة وتوابعها، والاتفاق على عودة السفير الإسرائيلي إلى داكار واستئناف المساعدات الإسرائيلية، مقابل وعد سنغالي بدعم ترشيح إسرائيل لمركز مراقب في الاتحاد الأفريقي، وعدم التعرض لها بسوء في المحافل الأفريقية والدولية، وأغلب الظن أن السنغاليين وشركاءهم الإسرائيليين لم يبوحوا ببقية ما توافقوا عليه، مما يخدم استراتيجية الانتشار والتموضع الإسرائيلي في غرب القارة.

تقليدياً، حرص الإسرائيليون على القفز من فوق الدائرة العربية، وبخاصة في زمن المقاطعة والمواجهة العربية الصارمة، إلى الدائرة الأفريقية الأقرب في شرقي أفريقيا، وتحت شعار محاصرة الحصار العربي الإسلامي، تم نسج علاقات قوية مع كل من إثيوبيا وكينيا وإريتريا، وكذا مع جنوب السودان قبل وبعد انفصاله عن السودان الأم.

في هذا الإطار، تفهم الإسرائيليون مداخل التواصل والحركة؛ التي تسمح لهم بالتودد إلى الأفارقة وكسب تعاطفهم.

مرة يعرضون أنفسهم كمجتمع حديث الاستقلال ودولة نامية شأنهم شأن مجتمعات العالم الثالث، ومرة يسوقون أنفسهم كدولة متقدمة ذات علاقات مميزة مع القوى الغربية والمنظمات الدولية المانحة، وأن بوسعهم التوسط المقبول لدى هؤلاء الأخيرين لأجل تدفق العون السخي إلى الأفارقة، هذا من دون الحديث عن المداخل التفافية الأخرى، كتقديم خدمات أمنية واستخبارية لبعض النظم والقيادات الطموحة، ومدهم بالسلاح والعتاد والتدريب والدعم المالي.

ينبغي الاعتراف بأن هذه المبادرات الإسرائيلية متعددة الأساليب، نجحت بالفعل في بناء شبكة علاقات قوية مع الأفارقة وحققت اختراقات ملموسة في رحاب القارة.

ولم تكن هذه الظاهرة بعيدة عن الإسناد الذي تلقته من عالم الغرب، ومع ذلك، فإن الدبلوماسية العربية، على ما بها من تباطؤ وتثاقل، تمكنت بدورها من توضيح الأبعاد الاستعمارية للمشروع الصهيوني، وكيف أن إسرائيل، الكيان السياسي لهذا المشروع، قد تطاولت على القارة الأفريقية حين احتلت شبه جزيرة سيناء المصرية عام 1967.

اليوم، يجتهد الإسرائيليون في وصل ما انقطع مع الأفارقة، معتمدين في ذلك على أنهم ما عادوا يحتلون سيناء الأفريقية، وقد تصالحوا مع مصر، وانخرطوا في عملية تسوية مع الفلسطينيين ويحاولون تطبيع علاقاتهم مع العالم العربي.

هذا السياق يقتضى إيلاء جهد عربي كبير لأجل إبراز أن إسرائيل لم تف بكثير مما عليها من استحقاقات؛ أهمها يتعلق بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وتصفية آثاره وتوابعه، وبالتخلي عن سياسة الأبارتيد ضد الشعب الفلسطيني؛ التي تستعيد تجربة نظام الفصل العنصرية البائ في جنوب أفريقيا.

 

 

Email