«حماس» تقدم أوراق اعتمادها لواشنطن

ت + ت - الحجم الطبيعي

بينما كان الرئيس الفلسطيني أبو مازن في طريقه لواشنطن للقاء الرئيس الأميركي ترامب في قمة حاسمة في تحديد الموقف الأميركي من القضية الفلسطينية وفي هذا التوقيت الصعب، كانت حركة حماس تصدر وثيقتها الجديدة التي قيل إنها تحمل تغييراً شاملاً في رؤية الحركة، وانقلاباً على الميثاق الأساسي للحركة الذي حكم مسيرتها على مدى ثلاثين عاماً.

والحقيقة أن الوثيقة الجديدة هي في الأساس خطاب مرسل إلى البيت الأبيض ليسبق وصول أبو مازن إلى هناك، وبالتالي فهو يحمل ما هو مطلوب من واشنطن في هذه المرحلة: القبول الواضح في وثيقة رسمية بحدود 1967، والتخلي عن لغة الميثاق الأساسي التي كانت تتحدث عن العداء لـ«اليهود».. ليصبح الحديث عن صراع سياسي وليس دينياً مع الصهاينة.

أما ما قيل عن قطع العلاقة بين الحركة وجماعة «الإخوان» فهو أمر تنفيه الوثيقة كما نفاه خالد مشعل بعد ذلك، فالوثيقة لا تتحدث من قريب أو بعيد عن جماعة الإخوان، ومشعل يصرح بأنه لم تكن هناك حاجة لتكرار ما جاء في الميثاق الأساسي للحركة «الذي ما زال قائماً» بأن حماس جزء من جماعة الإخوان، أو هي الفرع الفلسطيني لها.

والتفسير ببساطة، أن هذا لم يكن مطلباً أميركياً، بل لعل العكس هو المطلوب، فمما لا شك فيه أن جانباً كبيراً من صناع القرار في واشنطن ما زال يرى في الإخوان - رغم هزائمهم المتعددة خاصة في مصر - ورقة يمكن اللعب بها، وفي حالة حماس فهي ما زالت - بالنسبة لهذا الجانب الأميركي ـ تمثل عنصر ضغط لإضعاف موقف السلطة الفلسطينية، وتمثل عنصر إزعاج بالنسبة لمصر.

وهي تقاتل إرهاباً خطيراً في سيناء له امتداداته في غزة، ويتلقى الدعم من كثير من الجهات التي تدعم في الوقت نفسه حماس، ويستظل بالرعاية الكاملة والمشاركة الفعّالة من جماعة الإخوان التي تثبت في كل يوم أنها ليست فقط أصل كل جماعات الإرهاب التي تزعم زوراً انتماءها للإسلام الحنيف، بل إنها ما زالت تواصل تاريخها الطويل في العمل الإرهابي.

ضغطت أميركا على الرعاة الرسميين وغير الرسميين لحماس، فكانت هذه الوثيقة التي ما كان لها أن تصدر إلا بعد مراجعتها مع الجماعة الأم ومع التنظيم الدولي للإخوان.

سيظل السؤال الفلسطيني يطلب الإجابة من «حماس» عن ثلاثين عاماً من الحروب الداخلية، واتهامات التخوين وانقسام العنف، ثم الإقرار بما كانت تقول إنه خيانة.

وقد كان يمكن القبول بذلك، لو كان قد صاحبه اعتذار، ولو بطريقة ضمنية، بالدخول فوراً في تطبيق اتفاقيات المصالحة الوطنية، وإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الكاملة للضفة والقطاع تحت القيادة الفلسطينية الموحدة لمنظمة التحرير التي ينبغي أن تضم كل القوى الفلسطينية عبر انتخابات ديمقراطية يتم تنظيمها فوراً، لنكون أمام قيادة تنقذ القضية الفلسطينية وتعالج المآسي التي تركتها مرحلة الانقسام، وتواجه تحديات مرحلة بالغة الدقة في مصير شعب فلسطين وفي مستقبل الأمة العربية كلها.

فهل يملك قادة حماس شجاعة اتخاذ هذه الخطوة.. أم أن «الثقافة الإخوانية» التي تتقن فن المراوغة والهروب إلى الأمام سوف تحكم تصرفاتهم؟!

هذا هو السؤال الحقيقي الذي ينتظر الإجابة.

لأن طرحه ليس من عندنا، ولكن تفرضه التطورات الحاسمة بالنسبة للقضية الفلسطينية، فليس أفضل للعدو الصهيوني من أن توضع القضية على مائدة التفاوض في لحظة ضعف فلسطيني، وفي أجواء تختل فيها موازين القوى لغير صالح العرب.

وفي الوقت نفسه فنحن لا نملك رفاهية الانتظار في هذا الوضع، بينما إسرائيل تمضي في تنفيذ مخططاتها لتهويد القدس والتوسع في الاستيطان، وبينما القوى الإسلامية غير العربية في المنطقة والتي تدعي مناصرة القضية الفلسطينية «إيران وتركيا» لا هم لها إلا إضعاف القدرة العربية ومد نفوذها في الوطن العربي.

كان جيداً أن يذهب أبو مازن إلى البيت الأبيض، ووراءه قرار القمة العربية بالتمسك بالمبادرة العربية دون تعديل، ومعه تنسيق كامل مع مصر والأردن.

لكن القادم صعب، والرؤية الأميركية لم تتضح حتى الآن.

رهاننا ينبغي أن يكون على أنفسنا وليس على الآخرين، وحدة القوى العربية الفاعلة في دعمها للحق العربي الفلسطيني أمر أساسي، لكن الوحدة الفلسطينية في هذا الوقت قضية لا تحتمل التأجيل، ولا تخضع للمناورات السياسية الصغيرة.

هل تفهم حماس ذلك؟ وهل تدرك أن تقديم أوراق الاعتماد لواشنطن لن يغني عن اعتراف بالخطأ وسعي لتصحيحه، بدلاً من هذا الالتفاف على الحقائق على الطريقة الإخوانية التي لم تعد تنطلي على أحد؟!

 

 

Email