الدين والعنف السياسي

ت + ت - الحجم الطبيعي

يقف الإسلام اليوم في موقف دفاعي بسبب الفظائع التي ترتكبها قلة قليلة باسم الإسلام.

الواقع يشير إلى أن المسلمين لا يجب أن يكونوا اعتذاريين عما يرتكبه الجاهلون ، بل قد يكون من الغريب أن أمة من الأمم لا يكون من بينها مجموعة متطرفة فكراً أو ممارسة، فالإرهاب والعنف ليسا مقصورين حصراً على ثقافة أو دين معين.

ولعل هذا الموضوع يحتل اهتماماً كبيراً بسبب الأحداث العنيفة التي ترتكب في العالمين الإسلامي والغربي، والأحداث الأخيرة، التي ارتكبت ضد الطائفة القبطية في مصر، دليل على الأهمية التي يكتسبها الموضوع، ولكن السؤال هل يجب أن يقف المسلمون موقف المتهم بسبب أن المجموعات الإرهابية توظف الدين الإسلامي في ارتكاب البشاعات والعنف ضد أقليات تعايشت مع المسلمين لقرون في وئام وسلام بوجه عام.

لقد نشر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن تقريرا تحت عنوان «تتبع الاتجاهات والأرقام: الإسلام، الإرهاب، الاستقرار، والصراع في الشرق الأوسط»، كتبه الباحث الاستراتيجي أنثوني كوردسمان، ويسعى التقرير إلى تقصي حالات العنف التي ترتبط بالإسلام وفهم مسبباته وتداعياته.

يستهل التقرير بتفنيد الرأي السائد حول الإرهاب والهجرة والذي يعتمد، حسب التقرير، على التخويف بدلا من التمحيص عن فهم المسببات التي تقود العنف في دول الشرق الأوسط أو المعطيات التي تفسر الظاهرة.

الاتجاهات في مضمار العنف مركبة ومعقدة ولا يمكن أن نقلص أسباب العنف أو التطرف بسبب بعد واحد مثل العامل الديني دون النظر إلى أبعاد أخرى تسهم في زعزعة الاستقرار.

الخلافات الحدودية والتهديدات المتبادلة بين الدول والتنظيمات المسلحة كإيران وإسرائيل وغزة وحزب الله في لبنان، والأوضاع السائدة بين الدول المغاربية وجبهة البوليساريو، والاستقطاب الطائفي، كلها تسهم في حالات العنف وعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

يرى التقرير أن الإسلام يلعب دوراً محورياً في حياة شعوب المنطقة، كما يرى أن الأغلبية الساحقة من المسلمين يحبون أن يروا دوراً أساسياً للإسلام في الشأن العام وحياتهم الشخصية، ولكن معظم المسلمين ينأون بأنفسهم عن التطرف والإرهاب.

يرى الباحث كوردسمان بأن الإسلام ليس عاملا في كثير من الصراعات، فالمنطقة تعاني من صراعات إثنية مثل الفرس والعرب والأكراد والتركمان، والامازيغية في المغرب والجزائر، وهناك صراع طائفي بين السنة والشيعة تهدد المنطقة وتزعزع الأمن والاستقرار في المنطقة، وكل هذه الخلافات ليست بالضرورة ذات علاقة بالإسلام.

وتعاني المنطقة من زيادة مطردة للسكان مما يزيد الضغط على الموارد مثل الزراعة والمياه والبنية التحتية، وزيادة السكان خلق مشكلة البطالة بين فئات الشباب والتي تزايدت نسبتهم في المنطقة مما أدى إلى حالة عدم الاستقرار السياسي، كما شهدنا في الانتفاضات العربية من تونس إلى اليمن في 2010 إلى 2011.

يعتبر انعدام الحوكمة، أو الحكم الرشيد، في اغلب دول المنطقة وزيادة الفساد السياسي والإداري مدعاة إلى الاضطرابات السياسية، كما أن انعدام الشفافية في كثير من الأوطان العربية يشي بتفشي الفساد في المنطقة العربية، حيث إن كثيراً من البلدان العربية تحتل مواقع متدنية في قائمة الشفافية العالمية.

ولا شك أن سوء توزيع الدخل بين أبناء الوطن الواحد عامل مهم في زعزعة الاستقرار، والمنطقة تعاني من تفاوت كبير في الدخل ليس على أسس طبقية فحسب، بل بين الريف والمدن، وبين المجموعات الطائفية والإثنية. ويخلق مثل هذه الفوارق في الفرص والدخول تنافراً اجتماعياً ينفجر في أوقات معينة.

وفي نفس السياق، فإن التركيز على التطرف يغيب الاهتمام بالمصادر الأخرى للتهديدات والمخاطر، فالتهديد الذي تشكله إيران بسبب برنامجها النووي والصواريخ وبسبب تدخلها في شؤون دول المنطقة شاهد على ضرورة توسيع مفاهيمنا الأمنية والتعرف على مصادر التهديد في المنطقة.

مع ذلك لا ينكر التقرير خطورة الجماعات المتطرفة والتي تقوم بكثير من عمليات العنف، ولكن من المهم بمكان فهم نسبة العمليات التي تقوم بها الجماعات المتطرفة مثل القاعدة وداعش من مجمل العمليات الإرهابية العالمية، ويشير التقرير أن نسبة العمليات التي قام بها التنظيمان الإرهابيان تشكل 3.6% من الإجمالي العالمي، وعليه فإن التركيز على التنظيمين فقط قد يحجب عنا رؤية المنابع الأخرى للإرهاب.

يستبعد التقرير مقولة «صراع الحضارات»، والتي روج لها سامويل هانتغتون، ويرى أن الصراع هو ضمن الحضارة الواحدة، ويستدل التقرير بإحصائيات توضح أن مجمل الهجمات الإرهابية للمنظمات المتطرفة موجهه في الغالب للمسلمين أنفسهم، كما أن نمط العنف بدأ يتغير بشكل كبير، فجل أعمال العنف لم تكن بسبب الإرهاب، بل بسبب التمرد والصراعات الإثنية والطائفية.

وأخيراً يرى التقرير أن الانتصار على التطرف لن يتم إلا عبر الدول الإسلامية، وسيتحقق النصر أو الهزيمة للدول الإسلامية في مواجهة المتطرفين بالتحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة. ولن يكون هناك نصر بانعزال الولايات المتحدة عن المسلمين أو ابتعاد أوروبا عن الدول الإسلامية.

الأهم أن نتذكر أن الإسلام والمسلمين يجب أن لايقفوا موقفاً دفاعياً أو تبريرياً، بل أخذ زمام المبادرة لاسترداد الإسلام من مختطفيه.

Email