هكذا يتكلم الرئيس الأميركي

ت + ت - الحجم الطبيعي

شهد الأسبوع الماضي توتراً بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية بسبب عبارة للرئيس الأميركي دونالد ترامب قال فيها إن كوريا كانت تاريخياً جزءاً من الصين.

ولقد خرج فوراً المتحدث باسم وزارة الخارجية في كوريا الجنوبية ليقول في عبارات صارمة إن «الحقيقة التي يعترف بها المجتمع الدولي أن كوريا، عبر آلاف السنين، لم تكن أبداً جزءاً من الصين»، وقد دخل المتنافسون على منصب الرئاسة في كوريا الجنوبية على الخط فأتهم أحدهم الولايات المتحدة بتزييف التاريخ والعدوان على سيادة بلاده.

ما قاله ترامب لا أساس له من الواقع والتاريخ، ولكنه حين سئل عن مصدره في تلك المعلومة، قال إنه الرئيس الصيني، وهو ما أدى لتصعيد التوتر لدى كوريا الجنوبية، التي تعتبر الصين الحليف الرئيسي لجارتها الشمالية.

وتقول التقارير إن ما قاله الرئيس الصيني، وفهمه ترامب على أنه يعني أن كوريا كانت جزءاً من الصين كان هدفه توضيح موقف الصين من كوريا الشمالية وإقناع الرئيس الأميركي بأن مسألة التخلي عن بيونج يانج ليست بالبساطة التي تبدو عليها.

إذا كانت حالة الرئيس الصيني هنا ربما تعكس سوء الفهم، إلا أن اللافت للانتباه هو عدد المرات التي تكررت منذ تولي ترامب الرئاسة والتي فجر فيها جدلاً بسبب نقله عن آخرين، معتبراً ما يقولون هو الحقيقة دون أن يسعى للتثبت بنفسه مما قيل، خصوصاً إذا كان يحمل معلومات تخص دولاً أخرى، وهي مسألة بالغة الخطورة في التأثير على سياسة أميركا الخارجية، كما هو واضح من الموقف مع كوريا الجنوبية.

لكن ترامب يميل بشكل عام للنقل عن إعلام اليمين الأميركي بل وفوكس نيوز تحديداً أكثر من غيرها. المعروف أن فوكس، وفق الدراسات العلمية، في مجال تقديم الأخبار، تقدم الكثير من البرامج والضيوف الذين يروجون لأفكار ومعلومات دون الضوابط المتعارف عليها عموماً في الإعلام. آخر مرة نقل فيها ترامب عن فوكس أحدثت دوياً هائلاً تخطى هو الآخر حدود الولايات المتحدة الأميركية.

كان ذلك في شهر مارس الماضي حين قال الرئيس الأميركي أن باراك أوباما استخدم أجهزة المخابرات البريطانية من أجل التجسس عليه أثناء الحملة الانتخابية.

وقد ردد المتحدث باسم البيت الأبيض، جون سبايسر، المعلومة نفسها في واحد من مؤتمراته الصحافية، الأمر الذي أثار جدلاً صاخباً في واشنطن وخارجها، فقد نفت أجهزة الاستخبارات الأميركية المعلومة جملة وتفصيلاً، كما نفتها أيضاً أجهزة المخابرات البريطانية، التي نادراً ما تصدر تصريحات.

بينما أكد الجمهوريون في الكونغرس أن لا دليل على ما قاله البيت الأبيض، وكان واضحاً أن ما قاله البيت الأبيض قد تسبب في انزعاج شديد للحكومة البريطانية، حيث اتصل مستشار الأمن القومي البريطاني بنظيره الأميركي معرباً عن قلقه، بينما قال المتحدث باسم تريزا ماي «لقد قلنا بوضوح للإدارة الأميركية إن تلك الادعاءات سخيفة ولابد من تجاهلها وتلقينا تأكيدات بأن تلك المزاعم لن يتم تكرارها». وحين سئل ترامب عن المعلومة ومصدرها قال ببساطة «كل ما فعلناه أننا نقلنا عن عقلية قضائية موهوبة للغاية قالت ذلك على شاشة التلفزيون، ومن ثم فعليكم ألا تتحدثوا معي وإنما اذهبوا فتحدثوا مع فوكس».

وقد اتضح أن صاحب تلك العبارة، والتي قيلت فعلاً على شاشة فوكس نيوز هو قاضٍ سابق يدعى أندرو نابوليتانو، يعمل كمعلق في فوكس نيوز، ومعروف بآرائه اليمينية المتطرفة، فهو مثلاً ادعى ذات مرة أن التصويت ليس حقاً دستورياً للأميركيين.

بسبب الضجة التي أثارها نقل الرئيس بنفسه عن نابوليتانو، اضطرت فوكس لتخرج عن صمتها على لسان أحد مذيعيها لتقول إن فوكس «لا تملك أي دليل من أي نوع» على أن الرئيس ترامب قد تم التجسس عليه حين كان مرشحاً. وعلقت فوكس التعامل مع نابوليتنانو في خطوة أخرى هي الأولى من نوعها.

ويبدو أن الأزمة التي تعانيها فوكس نيوز عقب طرد أحد إعلامييها البارزين بسبب قضايا التحرش المرفوعة ضده في المحاكم، بعد استقالة مدير الشبكة العام الماضي للسبب نفسه، قد تقاطعت مع رغبة صاحب القناة في شراء باقي أسهم شبكة سكاي نيوز التي يملك فيها أقل من 40% فكان القرار بالحد من جدلية فوكس نيوز على الأقل لفترة.

لكن القضية بالطبع ليست فوكس. فاللافت للانتباه أن الرئيس الأميركي لا يجد غضاضة في النقل عن آخرين دون التثبت من صحة ما قالوه ولا يجد نفسه مسؤولاً عما يترتب على ذلك، وهو ما كان واضحاً تماماً في توجيهه للصحافيين بأن يسألوا فوكس عن المعلومة بدلاً منه.

كل ذلك يضعنا أمام متغير جديد في العلاقات الدولية. فالمتعارف عليه أن زعماء الدول والمتحدثين باسمها يزنون كلماتهم بميزان الذهب ويحسبون بدقة دلالات ما يقولون وتداعياته لئلا تثير تصريحاتهم أزمات دبلوماسية هنا أو هناك.

نحن إذاً أمام متغير جديد في العلاقات الدولية هو عنعنات الرئيس الأميركي.

Email