إرهاب الجماعة وأخواتها

ت + ت - الحجم الطبيعي

بقدر انحطاط الإرهاب وجماعاته المختلفة، بقدر الغباء الذي لا يفارقها، والذي يجعلها تتوهم أنها قادرة على تحقيق الانتصار على صحيح الدين، وعلى إنسانية البشر، وعلى الفطرة السليمة التي تجعل الانتماء للوطن تأكيداً لسلامة الإيمان الذي يقود لإعمار الأرض ولرقي الإنسان.

قمة الانحطاط وقمة الغباء معاً، كان هذا ما شهدناه مع أحداث تفجير الكنيستين بمصر الأسبوع الماضي، حيث سقط العشرات من المصلين في بداية أسبوع الآلام الذي يحتفل به الإخوة المسيحيون في مصر، وكانت الجريمة الإرهابية من التدني بحيث أوجعت نفوس المصريين جميعاً، وكان غباء الإرهاب متمثلاً في الرهان الخاسر على أن مثل هذه الأحداث ستزرع الفتنة بين أبناء الوطن، وكأنهم لم يقرأوا التاريخ.

وسط الأحزان النبيلة كان الأزهر الشريف يدين هذه الأعمال الإجرامية ويؤكد أن الإسلام بريء من هذا الإرهاب المنحط، وكان رأس الكنيسة المصرية البابا تواضروس يؤكد بصلابة الوطني المؤمن «أن هذه الأعمال الآثمة لن تنال من وحدة شعب مصر».. على الجانب الآخر كان الدواعش يباركون ويتوعدون. وكانت جماعة «الإخوان» وعلى لسان يوسف القرضاوي تلعق دماء الضحايا، وتبتذل لحظة الحزن النبيل وتفتح باباً لا يذكرنا إلا بتاريخ أسود للجماعة، وبإصرار منها على تواصل السير في طريق الإرهاب.

قال يوسف القرضاوي تعقيباً على الجريمة البشعة «لم تعرف مصر طوال تاريخها تفجيرات تستهدف جزءاً من المواطنين إلا في عهود الاستبداد الذي لا يوفر الأمن ولا الحرية ولا الحياة الكريمة».

وهنا نتوقف أمام حقيقتين، الحقيقة الأولى التي يعرفها يوسف القرضاوي وهو يحاول تبرير الجريمة البشعة كعهد جماعة «الإخوان» دائماً.. هي أن «الجماعة» التي ينظر الجميع للقرضاوي على أنه مرشدها الروحي وراسم خطاها لسنوات طويلة مضت، لم تكن يوماً - منذ نشأتها - إلا في صف الاستبداد.

في المدينة التي ولدت فيها «بورسعيد» سقط أول ضحايا الإخوان، ولم يكن من جنود الاحتلال الجاثم على المدينة وباقي مدن قناة السويس، بل كان ناشطاً في حزب الوفد الذي كان يقود الحركة الوطنية في ذلك الوقت (الأربعينيات من القرن الماضي).

لم يكن ذلك حادثاً عرضياً، فالجماعة أنشأت جهازها السري المسلح، ليكون شوكة في ظهر الحركة الوطنية، وعميلاً لقوى الاحتلال الذي موّل الجماعة لتبدأ نشاطها، وسلاحاً في يد قوى الاستبداد، وهو الأمر الذي بلغ درجة من الفجاجة لا مثيل لها، حين وقف الإخوان ضد كل القوى الوطنية قبل ثورة يوليو، ليؤيدوا حكومة إسماعيل صدقي «عدو الشعب كما اشتهر» وهي تقمع الحريات وتسحق كل المطالبين بالحرية والعدل.. ويومها لم يتورعوا عن الإساءة لكتاب الله حين وقفوا بالآلاف في قلب جامعة القاهرة يرددون ما يتلوه أحد زعماء الجماعة في مدح السفاح صدقي «واذكر في الكتاب إسماعيل»، مؤكدين نهج الجماعة الذي يستخدم الدين الحنيف لدعم أسوأ صور الاستبداد.

الحقيقة الثانية التي لابد أن نتوقف عندها، هي أن ما شهدته مصر من الجماعة تكرر في كل الدول خارجها، حاولوا التهرب من ماضٍ شائن فانتهوا إلى حاضر بشع، استخدموا كل الأقنعة ليخفوا حقيقتهم، لكن كل الأقنعة سقطت في النهاية لتكشف الحقيقة المرة، وهي أننا أمام جماعة خائنة للدين والوطن، وأننا أمام عصابة خرجت منها كل عصابات الإرهاب ولو اختلفت الأسماء والرايات بين «القاعدة» و«الدواعش» وغيرهما.

ويبقى ملمح آخر في سلوك جماعة الإخوان وإرهابها، فما إن افتضح أمر ما كتبه القرضاوي، وأدرك أنه وثيقة اتهام جديدة لجماعة هي أصل الإرهاب، حتى سارع بمحاولة إخفائه.

لم يحكم هؤلاء مصر إلا عاماً واحداً، ولن يحكموها أبداً ولن يقتلوا شعباً يعرف صحيح الدين وحقيقة الإسلام وتتعانق على أرضه مآذن الأزهر الشريف مع كنيسة وطنية لم تعرف يوماً «الولاء إلا لمصر»، ولم يعرف أبناؤها إلا أنهم شركاء في وطن أهدى الإنسانية معنى التوحيد، وعاش على الدوام رمزاً للمحبة والتسامح.

مشكلة الإخوان الآن، أنهم لم يعودوا قادرين على خداع أحد، العالم كله كشف حقيقتهم، وما حاولت ترويجه «الأجهزة» التي يعملون لحسابها منذ نشأتهم وبأنهم معتدلون، سقط نهائياً أمام الحقيقة التي تقول إنهم نشأوا على العنف منذ بدايتهم، وأن الإرهاب كله ملة واحدة وأن «الإخوان» هي أصل هذا الإرهاب الذي لابد أن يتوحد العالم لاستئصاله.

أما مصر، فستبقى محروسة برعاية الله، وبوحدة شعبها التي لا تنفصم عراها أبداً، وبإسلامها المعتدل الذي لا يعرف العنف، وبدعم كل عربي مخلص لعروبته، ولكل مسلم يدرك خطر «الخوارج الجدد» الخائنين للدين والوطن، والذين خرجوا جميعاً من عباءة جماعة «الإخوان» وتربوا على إرهابها الذي لم ينقطع طوال ما يقرب من تسعين عاماً لأنه وجد على الدوام من يدعمه لسبب أساسي، أي أن تكون الجماعة خنجراً مسموماً في قلب الوطن، وأن تكون عوناً لكل الاستبداد، وحرباً على العروبة وصحيح الإسلام.

Email