سيكولوجية الإقناع بالإيحاء العكسي

ت + ت - الحجم الطبيعي

من طرق إقناع الناس، أسلوب خفي، يسمى «سيكولوجية الإيحاء العكسي»، أو Reverse psychology، أي أن تظهر خلاف ما تبطن من رغبة، لتدفع من تريد إقناعه، لا سيما المتعنتين منهم بآرائهم، لتبني موقف معاكس لما تقول، أو بعبارة أخرى، تدفعهم في اتجاه ما تضمره من رغبات.

ومن أمثلة هذا النوع من «التلاعب اللفظي»، إن جاز التعبير، ما نمارسه مع الأطفال، حينما نقول «أمامك الخيار الفلاني والفلاني، أما الخيار الثالث فممنوع»، فيميل الطفل إلى «كل ممنوع مرغوب».

من أمثلتها، أن يقول البائع لمشتر: «هذه السلع غالية لأنها ذات جودة عالية، دعني أطلعك على سلع أرخص»، فيثير ذلك فضول المشتري للمنتجات الغالية.

الأمر نفسه ينطبق على «قاعات البزنس» في المطارات المقصورة على ركاب درجة الأعمال، وكذلك الحال مع طاولات مقاهي الفنادق الفخمة ذات المواقع الاستراتيجية، التي يكتب عليها «محجوز» طوال العام، فتكتشف أن أحداً لا يجلس فيها، لأنها مجرد خدعة تدفعك للحضور مبكراً، علك تظفر بها.

ويمكن استخدام أسلوب السيكولوجية المضادة في إقناع شريك تجاري بشراء مواد معينة ذات جودة عالية، حينما نخبره مثلاً بأن الكمية محدودة من هذا النوع لارتفاع الطلب عليها، وعليه، ننصح بمنتج أرخص، فتجد المشتري مستعداً للانتظار مدة طويلة، أملاً في اقتناء هذه النوعية الجيدة.

ومن أشهر الأمثلة، ما نشاهده طوال العام من طوابير ممتدة أمام مداخل المطاعم والمقاهي، ومنها ما تأكدت من أنه مجرد «تمثيلية مقصودة، لأن الطابور الطويل، أفضل دعاية على جودة مطعمنا»، وهو ما صارحني به حرفياً مدير مطعم عالمي، كان يتعمد تأخير الطلبات، وإيصال الزبائن لطاولاتهم ليطول الطابور أكثر، لأن في الأمر خدعة نفسية تفوت على كثيرين.

غير أن هذه الحيل لا تنطلي على آخرين، حيث يمكنهم اكتشافها بسهولة، ولذا، فإن استخدام سيكولوجية الإيحاء العكسي يفضل أن تطرح بطريقة عفوية، وفي الوقت المناسب، ولا نكثر منها حتى لا ينكشف أمرنا.

ولا نذيع سراً، إن قلنا إن بعض صعبي المراس، ينطبق عليهم المثل الشعبي «خالف تذكر»، فمهما كانت حججنا دامغة، إلا أنه كثيراً ما يراودهم الشك في آرائنا، لا سيما حينما تكون هناك منفعة تجارية أو معنوية من طرحنا.

تجده يعارض أو يتبنى الفكرة المعاكسة أو المضادة، حتى وإن كان غير مقتنع بها بنسبة 100 في المئة، ولكنه يفضلها على محاولات الآخرين لإقناعه، وهذه من أصعب الفئات التي يمكن أن نتعامل معها، لأن الحديث معهم ليس بناء في معظم الأحيان.

الإقناع ليس محصوراً في الطرح الموضوعي والمنطقي، فكثيراً من الإيماءات الجسدية ونبرة الصوت الجادة والتحضير الجيد والتحدث من قلب، يسهم في الإقناع، وليس ذلك فحسب، فمن محاولات الإقناع الخفية التي تثمر، أحياناً، سيكولوجية الإيحاء العكسي.

 

Email