إنها الحرب الإعلامية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعالت في الفترة الأخيرة، دعوات كثيرة تطالب بــ «وقفة مع مراكز التحريض الإعلامي»، بعد أن جرت تحولات كبيرة في أدوات إعلامية غربية «لم تكن يوماً من صناع الفتنة، وكانت تنأي بنفسها عن الدعاية السوداء وفجاجة الميديا الرخيصة».

القراءة صحيحة ولا غرو للبيئة الإعلامية الإقليمية وتلك الدولية، في ما يخص مصر خلال الزمن الذي مضي منذ 30 يونيو وثورتها التي أسقطت حكم الإخوان وحتى الآن. ولكن الأمر لا يحتاج «وقفة»، وإنما إلى مواجهة كتلك التي تقوم بها القوات المسلحة وقوات الشرطة ضد الإرهاب، وكتلك التي يقوم بها الشعب المصري وقيادته حالياً في مواجهة أزمة اقتصادية خانقة.

وفي كلا المواجهتين، الأمنية والاقتصادية، فإن هناك قواعد للاستعداد والحشد والتعبئة، واستراتيجيات للعمل، وتدريبات واستعداد لاتخاذ قرارات صعبة، بموجبها يسقط شهداء، وبموجبها يتحمل الناس موجات غلاء طاحنة.

المهم أنه في المعركتين، فإن النصر مؤكد، وفي دراسات أعدها الباحث الأستاذ أحمد البحيري، فإن المعركة مع الإرهاب وصلت إلى انحساره في مساحة محدودة على الحدود المصرية الفلسطينية، وإلى تراجع كبير في أعداد الضحايا والشهداء من العمليات الإرهابية.

وبالمقارنة مع دول أخرى تدير المعركة ضد الإرهاب، فإن الإنجازات على الجبهة المصرية ضد الإرهاب، تفوق بمراحل تلك التي تقودها الولايات المتحدة وحلف الأطلنطي في أفغانستان والعراق، وتلك التي تقودها روسيا وإيران وتركيا في سوريا. صحيح أن المعركة مع الإرهاب على كل الجبهات، تشير إلى بدايات انحسار الظاهرة كلها، إلا أن ما حدث على الجبهة المصرية، يشهد لها.

وفي المعركة الاقتصادية، فإن المؤشرات الأولية لنتائج الخطوات الشجاعة التي اتخذتها الحكومة المصرية في شهر نوفمبر الماضي، تشهد بانخفاض العجز في الموازنة العامة، وتراجع العجز في الميزان التجاري، وارتفاع ملحوظ في الموارد السياحية، وتوقف في انهيار سعر الجنيه المصري، وتحقيق ميزان المدفوعات فائضاً قدره 7 مليارات دولار خلال الربع الأول من العام المالي الحالي، مقابل عجز كلي خلال العام السابق قدره 403 مليارات، مع ارتفاع في حجم الاحتياطي العام.

وكذلك الاستثمارات الأجنبية في مصر، فضلاً عن تحويلات العاملين المصريين في الخارج. هذه المؤشرات الإيجابية، لا تعني بالتأكيد أننا خرجنا من الأزمة، ولا حتى من التهديدات الأمنية، ولكن الشواهد كلها تقول أولاً، بأننا نسير على الطريق الصحيح.

المعركة الإعلامية لا تختلف في كثير أو قليل عن المعركتين الأمنية والاقتصادية، ولكننا لن نحقق ما تحقق في المعركتين، إلا إذا كنا على يقين أننا إزاء معركة أخرى ثالثة طاحنة وقاسية. وكما هو الحال في كل المعارك، فإنه يبدأ بالاعتراف بحقيقة «العدو» الذي يدخل معنا في معركة متعددة الأوجه، فيها القتل، وفيها تدمير الاقتصاد، وفيها أيضاً كسب القلوب والعقول.

وكسب هذه المعركة، مثل غيرها، يكون عندما تكون قد تعرفت إلى حقيقة وتوزيع وأدوات ومنطق حركة الخصوم، سواء كان ذلك في المحطات الإقليمية أو الدولية. وفي نفس الوقت، فإن معرفة إمكاناتنا وقدراتنا واستغلالها الاستغلال الأمثل، وفق استراتيجية واضحة وحاسمة، هو الذي يكسب المعارك في النهاية.

وبالطبع، فإن نتيجة هذه المعركة لا تنفصل عن نتيجة المعركتين الأخيرتين، كما أنها في النهاية هي التي ستوفر بيئة مواتية لتحقيق النصر في كل المعارك.

فالإعلام الوطني في النهاية، هو الذي يحرم الإرهابيين من بيئة التجنيد التي تعطيهم القدرة على تعويض خسائرهم، كما أنه عندما يعطي الصورة الصحيحة عن الاجتهاد المصري لتحقيق التقدم الاقتصادي في مصر، فإن السياحة والاستثمارات الأجنبية، سوف تعود أقوي مما كانت عليه في الماضي.

التعرف إلى الخصوم، وتقدير الإمكانات الذاتية، ووضع الاستراتيجية المناسبة، تحتاج في النهاية إلى آليات وطنية شاملة، تستخدم الأدوات الحديثة، وقبل ذلك المعلومات الصحيحة لكسب المعركة.

فمن المثير للدهشة، أن تثير وسائل إعلام غربية حصيفة، التساؤل عما إذا كان الإخوان لهم علاقة أو لا بالعنف والإرهاب، ونحن لدينا ما لدينا من تاريخ للإخوان، وحاضر يشمل أفعالهم، بما فيها 53 يوماً مسجلة بالصوت والصورة فوق منصات «رابعة»، فضلاً عن تحقيقات ومحاكمات فيها مجلدات من الشهادات والأصول والصور.

ومن المدهش أيضاً، أنه لا يوجد لدينا كتاب أبيض يحكي قصة «رابعة» الحقيقية، ومن المدهش أكثر من كل ذلك، أننا لم ننشر، ولم نوزع، ولم نطرح، تقرير لجنة التحقيق، بقيادة القاضي الجليل الدكتور فؤاد عبد المنعم رياض، عن أحداث العنف التي جرت في مصر بعد ثورة 30 يونيو.

الإعلام ليس مجرد كلمات وطنية تقال في المناسبات. ولا هو أدوات بيروقراطية، أو محطات تلفزيونية ملونة ومصقولة، هو جيوش وفرق وكتائب، تعمل في تناسق في اتجاه أهداف تكسب المعارك المؤقتة، والحروب طويلة الأجل.

والمدهش أكثر من كل ما سبق، أن يحدث ما يحدث على الساحة الإعلامية الدولية، بينما العالم كله يكتشف حقيقة الإرهاب والفكر المتشدد والمتعصب للإرهابيين، إلا عندما يصل الأمر إلى مصر، فنجد أوضاعاً وأفكاراً مختلفة.

الأمر لا يحتاج وقفة، وإنما مواجهة البرامج بالبرامج، والحجة بالحجة، والمنطق بالمنطق، وباختصار، أن تكون مواقفنا وقراراتنا ومعلوماتنا ومعارفنا في المقدمة، ولا أحد قبلها. تلك هي المسألة.

 

 

Email