قمة عمان.. وأمة في خطر!

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد أيام تنعقد القمة العربية الثامنة والعشرون في الأردن. القمة تنعقد في أصعب الظروف، والفارق بعيد بين المشهد اليوم وبين المشهد حين بدأت القمم العربية الدولية بعد ما يقرب من عقدين من نشأة الجامعة، وكان ذلك عام 1964 حين دعا عبد الناصر لقمة القاهرة التي تلتها في نفس العام قمة أخرى بالإسكندرية، كان الوضع مختلفاً، ورغم وجود خلافات عربية أساسية.

فقد حضر الجميع، وكان الحديث جادا والقضية الفلسطينية تفرض نفسها، والعمل المشترك يتجاوز الخلافات، وتأسيس قيادة عسكرية عربية مشتركة بدأت أولى خطواته لمواجهة التهديدات الإسرائيلية التي تحققت بالفعل بعد ذلك في عام 1967، التي شهدت الحرب التي كان من دوافعها الأساسية قطع الطريق على أي إمكانية لإتمام العمل العربي المشترك.

ورغم الضربة القاصمة في 67 فقد استطاع العمل العربي المشترك الصمود في وجه الهزيمة «قمة الخرطوم» كما استطاع بعد ذلك تكوين التحالف العربي الذي حقق نصر أكتوبر العظيم والمكون من دول المواجهة بقيادة مصر وسوريا، ودول المساندة بقيادة دول الخليج والجزائر.

بعد أكتوبر كان التراجع الحقيقي عن العمل العربي المشترك، وكانت المؤامرة لتنفذ مخططات ضرب التحالف الذي انتصر في أكتوبر، وإغراق المنطقة العربية في الخلافات السياسية، بدءا من كامب ديفيد، وفي الحماقات الكارثية بدءا من غزو صدام للكويت.. لنصل الآن إلى ما نواجهه من أوضاع صعبة وتحديات هائلة، في مواجهة إرهاب أسود يعصف بالمنطقة، وحروب أهلية، وتغول للدول الإقليمية غير العربية عبر جهود مستميتة من ملالى إيران لمد النفوذ الفارسي على الأرض العربية، ومن الجانب الإسرائيلي لتصفية القضية الفلسطينية!

وفي الأسابيع الأخيرة تكثفت الجهود لتعقد قمة عمان في أجواء سياسية مناسبة وفي حضور أكبر عدد من زعماء الدول العربية. وكانت هناك بوادر إيجابية في هذا الصدد.

وكان لافتا أن يصرح الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط بأن هناك مشروعا جديدا ومهما للقضية الفلسطينية يتجاوز المبادرة العربية السابقة! ولا أدري إن كان التوقيت مناسبا لذلك، في ظل عدم وضوح الرؤية الأميركية لإدارة ترامب الذي يتحدث عن نقل السفارة الأميركية للقدس، ثم يعد بـ«صفقة كبرى» لحل الصراع العربي - الإسرائيلي.

بينما يتخلى عن الالتزام الأميركي بحل الدولتين، ثم يهدد بالانسحاب من المجلس العالمي لحقوق الإنسان إذا أدان إسرائيل، ويهدد الأمم المتحدة بمنع التمويل عنها إذا لم تتخل عن «انحيازها!» ضد إسرائيل «الديمقراطية» الوحيدة في المنطقة!

المطلوب الآن -بالنسبة للقضية الفلسطينية- هو التأكيد الحاسم لرفض نقل السفارات الأجنبية إلى القدس، والتمسك بدولة فلسطين على أرض 67 وعاصمتها القدس العربية، وإيقاف الاستيطان.. ثم -على الجانب الآخر- اتخاذ موقف حاسم من الأطراف الفلسطينية لإنهاء الانقسام وفرض هذا الموقف بكل الوسائل!

لا أحد يطلب المستحيل من القمة العربية. المطلوب فقط أن تنطلق من نقطة مركزية، وهي أن «العروبة في خطر، وأن التمسك بها هو الطريق الوحيد لمواجهة كل التحديات». ومن هنا فإن أفضل ما يمكن أن يتضمنه بيان يصدر عن قمة عمان - بالإضافة إلى ما سبق عن فلسطين- هو:

 تأكيد رفض الإرهاب بكل صوره، وأن العرب كانوا وما زالوا أكبر ضحاياه، ودعوة كل دول العالم لتحمل مسؤولياتها في مواجهة هذا الوباء بعيدا عن اتهامات ظالمة للعرب، وحملات وقحة لمعاداة الإسلام البريء من كل ما تفعله هذه الجماعات الإرهابية باسم الدين، وكشف الستار عن الداعمين والممولين الحقيقيين لهذه الجماعات التي لم تخدم يوما العرب أو المسلمين.. بل كانت على الدوام في خدمة أعدائهم.

تأكيد احترام وحدة وسيادة «الدولة الوطنية» في العالم العربي، ورفض كل محاولات تقسيمها على أسس عرقية أو طائفية. والسعي الجاد لحلول سلمية في الصراعات الدائرة في عدة دول عربية تنقذ ما تبقى منها، وتؤكد فكرة «الدولة الوطنية» كأساس للعمل العربي المشترك.

رفض كل محاولات جر المنطقة إلى صراع مذهبي مدمر، وتأكيد التصدي لمحاولات النفوذ الإيراني، أو ادعاء أي طرف خارجي تمثيل المواطنين العرب السنة أو الشيعة أو المسيحيين أو غيرهم، فالكل في الوطن العربي مواطنون لا يدينون بالولاء إلا لدولهم، ولا يعرفون إلا العروبة السمحة أفقا لوحدتهم.

تأكيد أن محاولات تذويب الوطن العربي في إطار «شرق أوسط كبير» التي عادت للظهور في ظروف مريبة، لن تكون مقبولة تحت أي ظرف كان، وأنها لا تتواءم إلا مع أفكار الجماعات الإرهابية المتاجرة بالدين التي كانت وما زالت ترى أن الأوطان مجرد حفنة من تراب عفن «كما قال مفكر الإخوان الأشهر»!

الإقرار بأن العجز عن إقامة نظام عربي للدفاع المشترك فتح الباب للتدخل الخارجي، وأعطى الفرصة للقوى الإقليمية غير العربية لتحاول مد نفوذها أو تحقيق أوهامها في الوطن العربي.. خاصة حين تتلاقى هذه الأوهام مع مخططات أجنبية لإعادة رسم خريطة المنطقة، ومع ميليشيات عملية للأعداء الإقليميين أو الدوليين.

Email