حتى لا نخسر خبراتهم
تنادي معظم دول العالم بضرورة تمكين الشباب، وإبراز أدوارهم وتسليحهم بالثقافة والمعرفة ومن ثم إعطائهم الفرصة لتسلم الأدوار القيادية في كافة المجالات والتي من ضمنها المجال السياسي، وهذا أمر محمود فقوة الدول تقاس في قيمة شبابها وطاقاتهم.
مما لا شك فيه أننا نؤمن بإمكانيات الشباب وقدرتهم على تسلم أدوار هامة داخل دولتنا، وهذا ما تعمل من أجله مؤسساتنا في كلا القطاعين العام والخاص، فتوجه الدولة بأكملها قائم على تمكين شباب الوطن وإعدادهم ليكونوا قادرين على توجيه الدفة بالمسار الصحيح مستقبلاً، وإكمال مسيرة التقدم والازدهار التي صنعها الأجداد المؤسسون.
بالنظر لتجارب العديد من دولنا العربية في المسألة ذاتها (تمكين الشباب) سنجد بأن هناك الكثير من التجارب التي باءت بالفشل، وذلك لعدة أسباب علينا الأخذ بها والتي تكمن بأن هذه الدول مكنت شبابها ورقياً، ولم تمكنهم عملياً، أي أنها أعدت الخطط والسياسات لتمكينهم ولكن كل هذا كان حبراً على ورق وشعارات رنانة نادت بها الحكومات لم تطبقها فعلياً، وسرعان ما تكشفت الأمور وخرج الشباب صارخين غاضبين.
أيضاً هناك من مكّن الشباب ورقياً لكن بأسلوب مختلف، فقد عملت مؤسسات هذه الدول وحكوماتها على إعداد الخطط وإيصال هذا النهج للشباب وتعليمهم إياه، ولكن عندما تسلم الشباب زمام الأمور وتم تمكينهم فعلياً لم يستطيعوا مجاراة الواقع، وكان الواقع يتطلب خبرات أكبر، فالعمل الحكومي يحتاج تدريباً عملياً وفعلياً وليس درساً نظرياً في الكتب والمناهج.
إن قضية تمكين الشباب قضية عميقة جداً، ومطلب مهم لاستمرار النهضة والتقدم، إلا أنها ولكي تنجح تتطلب معايير خاصة أهمها إيجاد آلية لتمازج خبرات «الشياب» مع عنفوان الشباب، فإهمال الخبرات التي عملت طويلاً واستبدالها بفكر جديد وطاقة جديدة يخلق خللاً من المنظومة بشكل عام، فإدارة أي مؤسسة أو حكومة أو حتى شركة تحتاج إلى وجود عنصر الخبرة والحداثة في الوقت نفسه.
في مرحلة ما من العمر يصل الإنسان إلى مرحلة يتفاخر بها ويشعر بالثقة لكونه قد كوّن قاعدة من المعرفة نسميها سنوات الخبرة، وفي المقابل يأتي شاب جديد وبابتكار وفكر حديث يتميز فيه على صاحب الخبرة هذا، وهنا يحدث صراع الأجيال، فلا الخبير سيتنازل عن منصبه ومكانته ويفتح المجال لهذا الشاب ليحل محله، ولا هذا الشاب سيحترم الخبرة الطويلة والتجارب الذي مر بها المسؤول، بل سينازعه على مكانته، وإن حصل هذا فسنتنبأ بفشل عملية التمكين.
أنزل الله تعالى رسالته على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو في سن الأربعين، وهناك حكمة قصدها الله عز وجل في هذا الأمر وقد قال تعالى (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً) [الأحقاف: 15]، ونحن هنا أمام حقيقة قرآنية تبين لنا أن التمام في العقل، والنضوج في الأخلاق، والعمق في الرؤية، والقدرة على فهم الأمور فهمًا صحيحًا، تكتمل عند سن الأربعين.
على الرغم من هذه الحقيقة إلا أن قريش قد عارضوا هذا الأمر وكان من بين أسباب رفضهم لنبوءة سيدنا محمد ﷺ أنه باعتبارهم وبنظرهم كان صغير العمر، فأسياد قريش رأوا بأنه لا يملك الحكمة والقدرة على تحمل هذه الرسالة ولأنه أصغر منهم سناً، وهذه طبيعة بشرية لا يمكننا إنكارها، فعامل العمر وعدد السنين يلعب دوراً هاماً في تشكيل خبرات الإنسان وصقل شخصيته ليصل قريباً من الكمال العقلي.
بعد كل ما ذكرناه سلفاً نحن أمام معضلة حقيقية تكمن بكيفية إيجاد حل نمكّن فيه شبابنا دون الإضرار بمكانة الأكبر سنا؟، وكيف يمكننا الاستفادة من خبرات الكبار وندعمها بقدرات الشباب؟!، وهذا الأمر له عدة حلول سنذكر لكم بعضاً منها.
أولاً علينا أن ننشئ هيئات ظل أو هيئات مساندة تقوم الحكومة بتشكيلها ويكون رؤساؤها من الشباب، وهذه الهيئات تعمل جنباً إلى جنب مع الحكومة الأساسية، وبهذا يكتسب شبابنا الخبرة والتطبيق العملي لكيفية إدارة الأمور، وبالوقت نفسه نستفيد من الخبرة الطويلة للأكبر سنا والاكثر خبرة.
وأيضاً علينا إيجاد شواغر لمناصب شابة مساندة مثلاً «وكيل وزارة شاب» أو «مساعد وزير شاب» ليعملوا جنباً إلى جنب مع المنصب الرئيسي، وبهذا يتعلمون الخبرات ويصبحوا قادرين على إكمال المسيرة مستقبلاً، وليس هذا فقط بل علينا تفعيل أدوار مجالس الشباب بحيث نطالبهم بتشكيل لجان تقدم توصيات شبابية للحكومة وتقديمها أمام المجلس الوطني الاتحادي أو المجالس الاستشارية الخاصة ببعض الإمارات، وبهذا يخالطون أصحاب الخبرة فيتعلمون منهم الخبرات ويضيفوا لمساتهم الشبابية على الواقع فنحقق معادلة تكامل الأجيال.
نحن نراهن على قدرة قياداتنا من الاستفادة من المعطيات الكاملة لطاقات أبناء الوطن، ونحن على يقين بأننا فعلاً بحاجة إلى انسجام كبير بين فئات المجتمع كافة لأن ما هو قادم مسؤولية كبيرة علينا التحضير لها جيداً، وما وصلنا إليه من حضارة ورقي وما ورثناه عن أجدادنا علينا أن نسلمه لأيدٍ أمينة وعالمة وذات خبرة ليكملوا على نفس النهج.
وفي النهاية علينا جميعاً أن نعلم أن الوطن ومؤسساته أهم شيء بالنسبة لنا، فلا نريدها منافسة بين فئاته بل نطمح لأن تكون قاعدة تشاركية تتسم بالانسجام من أجل مصلحة الوطن والمواطن.