الهجرة إلى إسرائيل وشرورها

ت + ت - الحجم الطبيعي

نحن الآن في العام العشرين بعد المئة على انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول فى بازل، الذي نادى بالحل الانعزالي لما عرف باللاسامية ضد اليهود عبر إنشاء دولة خاصة بهم.

نحن أيضاً في نهاية العقد السابع منذ إعلان قيام هذه الدولة، وتقعيدها على أرض فلسطين العربية عنوة بالحديد والنار، وبالتدليس السياسي والقانوني وتواطؤ القوى المهيمنة في النظام الدولي.

مع ذلك، ثمة صهاينة يعيدون اليوم اختراع العجلة، بدعوة يهود الشتات للهجرة إلى إسرائيل «..إذا ما أرادوا الإفلات من براثن اللاسامية وأوضاعهم التي تزداد سوءاً..».

استمرارية هذه الدعوة طوال هذه المسافة الزمنية الممتدة جداً، مع امتناع أكثر من نصف يهود العالم عن التجاوب معها، قبل قيام الدولة المأمولة وبعدها، تؤشر إلى فشل ما للمنطق والمنطلقات التي تقوم عليها.

يتجاهل الدعاة الصهاينة هذه الحقيقة، ولا يلفت نظرهم ما ألحقته حركتهم بحيوات اليهود، سواء في ذلك الذين استجابوا لدعوتهم أو لم يستجيبوا لها، من أشكال مختلفة من الحيرة والإرباك وغموض المستقبل.

يستغل دعاة الهجرة اليهودية هوجة تفشي الأفكار واليمينية والشوفينية الشعبوية الفجة والمتطرفة في أوروبا، وإطلالها بنسبة أقل في الولايات المتحدة، ويدفعون بأن «.. اليهود الفخورين الذين يريدون رؤية أحفادهم يهوداً، يجب عليهم المغادرة إلى إسرائيل».

هناك سينعمون بفرص العمل وبمحيط يهودي دافئ وداعم، وهنا لا يلحظ هؤلاء ما تحويه مبرراتهم وتوصيفاتهم من أكاذيب، سبق لأجدادهم وآبائهم الاستعانة بها، ويسهل الآن اكتشافها وتفنيدها في عالم أصبح شديد التواصل والتشبيك المعرفي والإخباري.

إذ أين هي، مثلاً، حياة الدعة والهدوء والأمن التي يعيشها اليهود في الدولة الصهيونية وتعيشها هذه الدولة في محيطها؟!

ألا تعني هجرة اليهود إلى إسرائيل، الانتقال من وضعية يتعرض فيها أمنهم الذاتي للخطر على سبيل الفرض والاحتمال، إلى وضعية ينعدم فيها هذا الأمن يقيناً وليس خاطراً واحتمالاً؟

ألا يعلم الصهاينة أنهم حين يمنون يهود العالم ويعدونهم بالعيش في دولة ديمقراطية خاصة بهم، أي باليهود فقط، فإنهم يعاكسون فقه الديمقراطية، ويثيرون لدى المجتمعات الإنسانية فتناً لا يدرى أحد مداها.

السؤال هنا هو ماذا لو استطردت فكرة الديمقراطية المخصوصة باليهود، إلى أصحاب ملل ونحل وطوائف وأيديولوجيات ومذاهب أخرى، وسعت كل جماعة إلى أعمال مفهوم للديمقراطية خاص بها.

عندئذ، سيجري دك مفهوم «دولة كل مواطنيها»، وستنشأ حالة من فوضى التنازع والتباغض بحثاً عن أولويات الانتماءات والهويات والخصوصيات، وصولاً إلى العراك والتشظي والتفتيت في طول خريطة الاجتماع الإنساني وعرضها.

بقليل من التأمل، لا ينبغي استبعاد وجود صلة قوية بين استعادة حديث اللاسامية واضطهاد اليهود، وبين إعادة تلميع الحل الصهيوني، الذي تعنيه مغادرة اليهود لمواطنهم الأم باتجاه إسرائيل حصرياً.

الحركة الصهيونية، بمشروعها الاستيطاني، هي الجهة الأكثر انتعاشاً وسروراً بهذا الحديث بغض النظر عن مدى صحته وواقعيته، ولذا فإنها تظل موضع اتهام بتشجيع هذا الحديث وصناعته، تماماً كما فعلت في مراحل سابقة مع يهود العراق واليمن ومصر والمغرب، وتفعل راهناً مع اليهود الفرنسيين والأميركيين.

على عقلاء اليهود والغيورين على عالم الديمقراطية وحقوق الإنسان والشعوب، بيان الشرور الظاهرة والمضمرة المتأتية عنه، والمرتبطة بحل الهجرة الذي يعرضه الصهاينة، فهذه الشرور تطال اليهود أنفسهم واستقرار دولهم الأم، كما تطال الشعب الفلسطيني ومحيطه الإقليمي.

يتعين على كل من يعنيهم الأمر، إعلام القطاعات اليهودية أن الاستجابة لنداء الهجرة إلى إسرائيل، يفرغ اليهودي من سمته الإنسانية، ويحوله من مواطن عليه أن يكافح لصيانة حقوقه وحقوق مواطنيه في مجتمعه الأصيل، إلى مستوطن مستعمر مغتصب لحقوق قوم آخرين، وأن ما لم تحققه هذه الدولة للمهاجرين القدامى على مدار حياتها الماضية، لن تحققه للمهاجرين الجدد في الحاضر والمستقبل.

Email