وظيفة سريّة للإرهاب

ت + ت - الحجم الطبيعي

من المهم أن نتساءل عما إذا كانت ظاهرة الإرهاب، ترجع إلى عوامل داخلية أو خارجية، بل وأيضا عما إذا كان الهدف من الأعمال الإرهابية ( سواء كان المصدر داخليا أو خارجيا) يتضمن هدف تخريب الاقتصاد، وبإشاعة جو من الإحباط والخوف يضعف من الحافز على الاستثمار.

لابد أن نعترف بأن طريقة تناول مشاكلنا الاقتصادية في وسائل الإعلام لا تتركنا أكثر فهما لطبيعة هذه المشاكل ولا أكثر اطمئنانا إلى أنها تتلقى العلاج المنشود.

نحن نقرأ من حين لآخر أن معدل نمو النجاح القومي في العام الأخير أعلى مما كان في السنوات السابقة، أو عن تصريح لهيئة دولية مهمة، كصندوق النقد أو البنك الدولي يعبر عن اطمئنان هذه الهيئة على أحوالنا الاقتصادية، أو عن تقييم للأداء الاقتصادي المصري في مقارنة بدول أخرى يوحي بأننا أفضل من كثيرين غيرنا.

مثلا، إذا قرأنا أن معدل نمو الناتج القومي في العام الماضي أكبر بمقدار الضعف مما كان في السنوات الثلاث السابقة عليه؟ فإن هذا يجب أن لا يجلب الغبطة، ناهيك عن الظن بأنه يعني تحسن أحوال محدودي الدخل.. الأرقام الدالة على ارتفاع معدل الأسعار بالمقارنة بثبات الدخول أو بارتفاع معدل البطالة، أكثر أهمية ودلالة على أحوال الفقراء.

نحن جميعا نعرف أن التخفيض الأخير لقيمة الجنيه المصري بالنسبة للدولار، أو ما سمي بالتعويم، قد سبب ارتفاعا في الأسعار ومن ثم تخفيضا في مستوى معيشة شرائح واسعة في المجتمع، إذ تعتمد مصر اعتمادا كبيرا على الاستيراد سواء في الحصول على السلع الكاملة أو مكونات السلع المنتجة كليا، ولكن نادرا ما تذكر وسائل الإعلام ( أو تناقش) أسباب هذا الانخفاض في قيمة العملة الوطنية، أي تشخيص المرض، ومن ثم طريقة علاجه.

من أسباب هذا الانخفاض في قيمة الجنيه تراجع إيرادات السياحة وتحويلات المصريين العاملين بالخارج في السنوات التالية لقيام ثورة يناير 2011، ومن المؤكد أن سبب الانخفاض في الحالتين سياسي وأمني أكثر مما هو اقتصادي، ولا شك أيضا أن انخفاض معدل الاستثمار الأجنبي والوطني، بالمقارنة بسنوات ما قبل هذه الثورة، ومن ثم ارتفاع معدل البطالة يرجع جزئيا على الأقل إلى عدم الاستقرار السياسي.

يستخلص من ذلك أن مشاكلنا الاقتصادية الأساسية الآن ( ارتفاع الأسعار، ندرة بعض السلع الضرورية، استمرار معدل بطالة مرتفع) ترجع إلى أسباب سياسية أكثر منها إلى أسباب اقتصادية، وهذا يجعلنا أكثر قلقا وأقل اطمئنانا إلى إمكان التغلب على هذه المشاكل في الأمد القريب، فالكلام عن الإرهاب لا يتوقف.

أن ممارسة الإرهاب ترجع أساسا إلى رغبة لدى طرف خارجي في الأساس ولكن يعاونه بلا شك أطراف في الداخل، في إشاعة مناخ سلبي يقلل من الاستقرار السياسي ويزيد التدهور الاقتصادي في نفس الوقت.

من أسباب ترجيحي لهذا التفسير ما يحدث الآن، ومنذ عدة سنوات في بلاد عربية أخرى، مما أطلق عليه البعض اسم «الربيع العربي»، بينما الذي يحدث لا علاقة له البتة بهذا الفضل من فصول السنة.

تكرار الظاهرة في أكثر من بلد عربي يقلل من احتمال «الصدفة»، ويزيد من احتمال التخريب المتعمد، إذ ليس هناك من العوامل الداخلية المشتركة بين البلاد العربية ما يمكن أن يؤدي إلى النتائج الاقتصادية نفسها، كما إنه ليس هناك ما يدعو للاعتقاد، فيما يتعلق بالاقتصاد، بأن ما يحدث في بلد عربي ينتقل بأثر العدوى إلى البلاد العربية الأخرى.

إذا كان هذا التفسير صحيحا أو قريبا من الصحة، أي إذا كان التدهور الاقتصادي نتيجة تخريب متعمد، فأي أمل يمكن أن نعلقه على إجراءات أو سياسات تتخذ على افتراض أن التطور الاقتصادي تطور طبيعي تحكمه عوامل اقتصادية بحتة؟

ما الأمل الذي يمكن أن نعلقه مثلا على تخفيض قيمة الجنيه لجذب السياح، إذا كان السائح الأجنبي لا يأتي لأسباب أمنية، وليس بسبب المقارنة بين ما يحصل عليه من سلع وخدمات قبل وبعد التخفيض؟ أو ما فائدة إلقاء اللوم في ارتفاع الأسعار على جشع التجار، وهم يكادون أن يكونوا بنفس براء المستهلكين ؟.

قد تكون مواجهة عوامل التخريب المتعمد أمرا أصعب بكثير من مواجهة العوامل الاقتصادية العادية، ولكن هذه الصعوبة لا يجب أن تدفعنا إلى تجاهل الأمر افتراض أن تدهورنا الاقتصادي يعود على عوامل عادية مما يمكن أن يحدث لأي اقتصاد.

صعوبة العلاج لا يجب أبدا أن تدفعنا إلى تفضيل التشخيص الأبسط لمجرد أن علاجه أسهل، وإلا كنا مثل جحا الذي سقط منه دينار في مكان مظلم فراح يبحث عنه تحت المصباح لأن الإضاءة هناك أفضل.

إذا كان الاعتراف بالحق فضيلة دائما، فإن الاعتراف بأن هناك شيئا غير طبيعي في أزمتنا الاقتصادية الراهنة، قد يكون شرطا ضروريا للخروج منها.

Email