تجديد العروبة.. ونداء الأزهر

ت + ت - الحجم الطبيعي

لسنوات طويلة.. كان «العداء للعروبة» هو العنوان الذي جمع العديد من القوى الدولية والإقليمية، لتشن كل أنواع الحروب العسكرية والثقافية والاجتماعية والدينية ضد الدول العربية.

تحت هذا العنوان عملت قوى الاستعمار القديم والحديث على زرع الخلافات وفرض التجزئة واستنزاف قوى العالم العربي ونهب خيراته.

وتحت هذا العنوان عملت القوى الإقليمية غير العربية على مد نفوذها على الأرض العربية، فرأينا الكيان الصهيوني يتمدد، وحكام طهران يحاولون تصوير ثورتهم والتسلل عبر ميليشيات تدين لهم بالولاء داخل الدول العربية، ورأينا من يتصور في تركيا أنه قادر على إحياء الخلافة العثمانية ليسيطر بها من جديد على الشعوب العربية.

وتحت هذا العنوان تم استخدام الدين بغير حق لضرب الوحدة الوطنية داخل كل دولة عربية بإذكاء الصراع المفتعل بين المسلمين والمسيحيين في أقطار عديدة، وبمحاولة جر المنطقة إلى صراع مدمر بين السنة والشيعة وإغراق المنطقة في بحر العنف والتطرف الذي غرقت فيه دول عربية عريقة.

في ظل هذا الواقع الصعب، كانت القاهرة على موعد مهم قبل أيام، مع المؤتمر العربي والدولي الذي دعا إليه الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين، وشاركت فيه قامات ثقافية مدنية، مع قيادات دينية إسلامية ومسيحية من الوطن العربي والعالم، والذي انعقد تحت عنوان «الحرية والمواطنة.. التنوع والتكامل».

وقد جاء انعقاد المؤتمر في ظل الجريمة الجديدة للدواعش باستهداف الأقباط في سيناء، ولا أظن أنها مجرد مصادفة، فالمجتمع كله يرفض السير في طريق الفتنة الطائفية.

أيضاً جاء المؤتمر في رحاب الأزهر، وبكلمات الإمام الأكبر فضيلة الشيخ أحمد الطيب، وبابا الكاتدرائية المرقسية لأقباط مصر الأنبا تواضروس، تلك الكلمات التي أكدت أن مصر ستظل نموذجاً للتعايش بين أبنائها، وأنها ترفض كل عدوان على مواطن باسم الدين الحنيف، وترفض أيضاً أن يتم التعامل مع الأقباط على أنهم أقلية، فمصر لا تعرف ذلك، وأقباط مصر يرفضون أن يكونوا إلا جزءاً أصيلاً من نسيج واحد لوطن يضم كل أبنائه على قدم المساواة.

ويبقى الأهم في كلمات المشاركين، وفي المقدمة كلمة شيخ الأزهر وقادة الكنائس المسيحية في مصر والبلاد العربية، ثم في إعلان الأزهر الذي أكد العديد من المبادئ المهمة التي تحتاج لتسليط الأضواء عليها، والانطلاق منها نحو رؤية واضحة لعروبة متجددة تدرك أن الدولة الوطنية هي الأساس، وأن التنوع والتكامل بين أبناء الوطن مصدر ثروة لا مصدر شقاق.

في «إعلان الأزهر» الذي صدر عن هذا الاجتماع المهم تأكيد لحقيقة أساسية يتجاهلها أعداء الأمة وجماعات الإرهاب والتطرف، وهي أن الإسلام كان الأسبق في تأسيس دولة المواطنة، وأن الرسول الكريم وضع في «إعلان المدينة» أسس العيش المشترك في الوطن الواحد والمساواة بين الجميع في الحقوق والواجبات، مهما اختلفت الأديان أو الأعراق.

في «إعلان الأزهر» المهم تأكيد لرفض أكذوبة أن الإرهاب صناعة إسلامية، فالدين الحنيف رسالة سلام ومحبة، والتطرف موجود «ومدان» بين أتباع كل الأديان، ولكن كل الأديان السماوية بريئة من هذا الإثم، وعلى قياداتها أن تتحد في مقاومة التطرف وبث الكراهية.

وفي «إعلان الأزهر» دعوة للحوار بين أبناء الدين الواحد على اختلاف مذاهبهم. ورفض كامل لدعاوى إثارة الفتنة بين السنة والشيعة، وإدراك عميق بأن هذا هو الخطر الذي يهددنا، والذي ينبغي مواجهته بكل حسم. ولعل الأهم فيما ينبغي أن نتوقف عنده هو أن يكون الحديث الرئيسي في حضن الأزهر الشريف من خلال هذا المؤتمر، وهو تأكيد «عروبة العرب».

بطريرك أنطاكية الماروني قال «إن ابتعادنا عن العروبة قد فتح الأبواب لكل أمراضنا الطائفية والمذهبية» والعديد من المشاركين «مسلمين ومسيحيين» وصفوا المؤتمر بأنه «مؤتمر قومي عربي».. وهو ما ينبغي أن يكون في بؤرة اهتمامنا جميعاً.

إننا في ظل الصحوة العربية، لم نعرف تفرقة بين مسلم ومسيحي، فالكل شركاء في وطن واحد، ولم نعرف فتنة بين شيعة وسنة إلا بعد أن سلطوا من احتكروا السلطة في إيران لكي يشعلوا المنطقة بصراع المذاهب، ولكي يتاجروا بالدين لاختراق الوطن العربي، ولكي ينضموا لأعداء العروبة، متناسين أن الشيعة في الوطن العربي «مثلهم مثل السنة» ولاؤهم للوطن، وانتماؤهم للعروبة.. ولو كره كل أعداء الأمة وكل تجار الدين!

إن العروبة هي ما يستهدفه الأعداء، وإنها ليست «الماضي الذي اندثر» كما يروج المرجفون.. بل هي الحاضر والمستقبل، وهي الحقيقة الأساسية وسط سيل من الأكاذيب التي انطلقت باسم الدين الحنيف، أو لخدمة فكرة الخوارج، أو مؤامرات من يعرفون أن عروبة العرب هي طريقهم لهزيمة التخلف والقضاء على الإرهاب.

حين تصدر الدعوة للعروبة من حصن الأزهر الشريف، وبحضور الكنائس العربية، فعلينا أن نستمع، وأن ندرك أننا أمام مفترق طريق ينحاز للمواطنة، وللدولة الوطنية الموحدة، وللعروبة التي تحتضن الجميع، وتنتصر للتقدم، فهل نسمع النداء؟!

Email