المواطن العالمي

ت + ت - الحجم الطبيعي

أصبح الإحساس بعدم الأمان والشعور بالخوف والاضطراب ليس شعوراً فردياً ولكنه شعور جماعي يجتاح الكثيرين.

لقد أصبحنا اليوم نعيش في عالم متغير ومضطرب يشعرنا بالقلق الدائم ويجعلنا نترقب المستقبل بحذر وترقب.

الشعور بعدم الأمان تجاه الحياة والمستقبل والأمن تنتاب الكثير من الناس حول العالم، وكل ما يحدث حولنا يجعلنا نعيش هذا الإحساس وكأن تلك المشاعر مرتبطة بعصر العولمة الموعودة.

محاولات البعض الدفع باتجاه عالم آمن ومستقر ومثالي، سرعان ما تذوي وسط صرخات الحروب وتفجيرات الإرهاب وصيحات العنصرية والطائفية المقيتة التي ينشرها البعض الآخر، والتي هي مسبب رئيس للمخاوف وفقدان الأمن.

على الرغم من محاولات التهدئة التي يبديها البعض، إلا أن محاولات عرقلة أسس السلام وإشاعة جو من البلبلة سرعان ما تثير موجة أخرى من التشاؤم، خاصة حينما يتعلق الأمر بالأمن والمصير.

البعض يقول إن هذه الحالة من عدم الاستقرار ليست بالجديدة في التاريخ، فحالات السلم التي شهدتها البشرية هي الاستثناء، ولكن حالات الحروب والمؤامرات الدولية والنزاعات والتنافس بين الدول هي السائدة دوماً على الساحة.

الدليل على ذلك فترة ما بين الحربين، فقد شهدت هذه الفترة ازدهاراً اقتصادياً وتطوراً كبيراً في خطوط المواصلات والتواصل بين البشر، ولكن على الرغم من ذلك إلا أن الإنسان الذي عاش تلك الفترة، كان يترقب بحذر القادم من الأيام.

اندلاع الحرب العالمية الثانية في عام 1939 وضع العالم مجدداً على شفير الهاوية وجدّد لدى الإنسان مشاعر الخوف والقلق، فما فقده العالم في الحرب الثانية أضعاف ما فقده في الحرب الأولى من بشر وحجر.

على الرغم من أن هذا الرأي يحمل بعض الصحة إلا أن الإنسان كما يبدو هو المتسبب الرئيس في تأجيج الحروب والصراعات التي تهدد السلم والأمن الدوليين.

ليس بالضرورة الإنسان الذي يفتقر أساسيات الأمن والحياة المرفهة، ولكن الإنسان الذي لديه كل ذلك ويطمع في الاستحواذ على ما في يد الآخر.

هذه الصراعات البشرية تضاف إلى ما يجتاح العالم بصورة دورية من أمراض وأوبئة وكوارث طبيعية وفقر ومجاعات وتصحر وجفاف تولد لدى الإنسان، ككائن حي ومتفاعل مع محيطه، مقداراً كبيراً من الخوف والهموم والهواجس التي تفقده الأمان النفسي وتخلق لدى البعض الآخر مشاعر العدوانية والاستحواذ.

من ناحية أخرى، تلعب الأوضاع الجيو- سياسية والديمغرافية غير المستقرة في العالم إجمالا دوراً مهماً في تأجيج مشاعر التشاؤم والقلق، وهذا يتضمن الحال في الدول النامية كما هو الحال بالنسبة للدول المتقدمة كدول أوروبا مثلا.

ملايين اللاجئين يتركون بلدانهم كل عام هرباً إما من ويلات الحروب وأهوالها، وإما من الظلم والاضطهاد وإما طلباً لحياة اقتصادية افضل وفرصة عمل مغرية في دول تعد مستقرة وآمنة وسعيدة، ولكن حتى اللاجئين إلى بلدان أوروبا لا يشعرون بالسعادة والأمان، فهناك لاجئون كثر أعربوا عن قلقهم بسبب فقدانهم الأمان في بلدانهم الأصلية وفقدانهم السعادة والأمن في البلدان التي لجأوا لها.

ولكن حتى في الشعور بالأمن والسعادة تنقسم شعوب أوروبا على نفسها، ففريق يدعي عدم شعوره بالأمان في ظل تدفق آلاف اللاجئين على بلدان أوروبا، ويدعي بأن وجود المهاجرين هو السبب في تنامي ظاهرة العنصرية في تلك البلدان.

أما البعض الآخر فيبدي تعاطفه مع المهاجرين، ويقول إنها قضية إنسانية، لا بد للعالم ككل أن يتضامن لإيجاد حل مقبول لها.

مشاعر الخوف والتشاؤم والقلق تدفع الإنسان إلى طرق عديدة للبحث عن الطمأنينة والأمان.

البعض يتجه إلى التعمق الكبير في الروحانيات والعقائد التي توفر الشعور بالأمان والطمأنينة الروحية، والبعض الآخر يتجه إلى الإغراق في الماديات بحثاً عن السلوى والمتعة التي قد تنتشله من جو الخوف والقلق، ولكن كلا الطريقين أثبتا عدم جدواهما في توفير الأمن للإنسان، وانتشاله من جو الخوف وانعدام الأمن النفسي الذي يجتاحه.

الإغراق فيهما لا يوفر للإنسان الأمان النفسي. الطريق الأول يقيد حركة الإنسان داخل دائرة الحياة الطبيعية التي يجب على الإنسان أن يحياها والطريق الثاني يخرج الإنسان من تلك الدائرة تماماً.

لهذا جاءت الوسطية في الإسلام وفي بلدنا لوضع الإنسان في دائرة الحياة الطبيعية التي تجعل من الإنسان محور الحياة والتنمية ومفتاحاً للسعادة.

إن الوسطية والمثل المرتبطة بها كالتسامح ونبذ العنصرية وتقبل الآخر كما إنه المفتاح الحقيقي ليس فقط لدوران الحياة الطبيعية، ولكن لإعادة الأمن والاستقرار النفسي للبشر أينما كانوا.

Email