التظاهرات.. استعدادات لانتخابات العراق

ت + ت - الحجم الطبيعي

تجري الاستعدادات للانتخابات المحلية في العراق وسط خلافات حول إجرائها في موعدها المقرر وفق الدستور في أبريل المقبل، فهناك مطالب من بعض الكتل السياسية لتأجيلها لأن بعض المدن لا تزال تحت سيطرة تنظيم داعش ومدن أخرى تحررت من هذا التنظيم.

إلا أن هناك أكثر من ثلاثة ملايين مهجر حسب آخر إحصاء للأمم المتحدة من سكانها يعيش في المخيمات، ما لا يسمح بإجراء الانتخابات في ظروف طبيعية. وتعتبر الانتخابات المحلية مؤشراً هاماً على مزاج الرأي العام وتوجهاته في الانتخابات النيابية الأكثر أهمية التي ستجرى العام المقبل.

وقد بدأت مفوضية الانتخابات منذ ما يزيد على الشهرين إعداد اللوجستيات اللازمة لذلك في حين بدأت القوى والأحزاب السياسية تهيء نفسها وتلمع مرشحيها لخوض غمارها كل على طريقته.

إلا أن كتلة الأحرار الواجهة السياسية للتيار الصدري اختارت طريقتها المتميزة بالاستعداد من خلال المطالبة بالإطاحة بمفوضية الانتخابات وبتغييرها من خلال تظاهرات حاشدة متهمة إياها بعدم النزاهة وبتزوير الانتخابات لصالح بعض النخب السياسية. وقد تطورت التظاهرات في الحادي عشر من فبراير الجاري إلى اشتباكات مع الجهات الأمنية تمخضت عن سقوط عدد من القتلى وعشرات الجرحى.

في سياق ذلك، ذهبت بعض التحليلات السياسية إلى الاستنتاج بأن الطموحات التي كانت كبيرة حين طُرح التغيير الشامل عندما اخترقت التظاهرات المنطقة الخضراء واحتلت مبنى المجلس النيابي ودخلت مكتب رئيس الوزراء قد تراجعت لتنحصر بمطلب ثانوي الأهمية كتغيير المفوضية المسؤولة عن إجراء الانتخابات.

إلا أن الحقيقة ليست كذلك فالطموح لم يتغير أو يتحجم، فالطريق الأسلم والأضمن للتغيير هو وصول أناس يتمتعون بالكفاءة والنزاهة إلى مبنى مجلس النواب.

وذلك لن يتحقق إلا من خلال انتخابات نزيهة تجرى تحت إشراف قضائي وفق قانون انتخابي لا يستبعد أحدا وسط أجواء لا تسمح بتظليل الناخب بالشعارات الدينية أو بالوعود الكاذبة أو بعمليات شراء الأصوات أو بغير ذلك من الانتهاكات التي سبق أن هيمنت على الأجواء الانتخابية على مدى السنوات المنصرمة.

ومع أن المناخ بشكل عام مهيأ للتغيير سياسياً بعد تجربة أربعة عشر عاماً من سيطرة الأحزاب الدينية، التي قسمت المجتمع على أسس طائفية، إلا أن الذين خبروا الشأن العراقي ليسوا متفائلين، لأن هذه الأحزاب ومن يقف خلفها قد صنعت لنفسها على مدى السنوات المنصرمة منظومة دفاعات شديدة التحصين، تشترك في صناعاتها فتاوى رجال دين وعناصر فاسدة تمسك مفاتيح الأجهزة الهامة في الدولة.

وتعمل على توظيف الأموال المسروقة في شراء الأصوات، وعند الحاجة تعمد إلى مليشيات مأجورة لا تتردد في ارتكاب أية جريمة. فتغيير المفوضية واستبدالها لا يعني بالضرورة أن الانتخابات ستكون نزيهة.

وبالمقابل، فقد تكون هناك فرصة للتغيير في ضوء التغيرات التي طرأت في السياسة الدولية مع مجيء رئيس أميركي جديد يمتلك رؤى مختلفة ترجح انشغالا أوسع بالشأن العراقي، ومع ما هو متوقع في ضوء ذلك من التغيرات التي بدأت تطرأ على التوازنات في المنطقة، والتقارب التركي الخليجي واحتمالات تراجع الدور الإيراني، وما يتركه من ضعف على قبضتها التي تمسك بتلابيب المشهد السياسي العراقي.

كما أن حسم المعارك ضد تنظيم داعش، الذي أصبح على الأبواب، سيكون له حساباته في مستقبل العملية السياسية، على الرغم من جميع المحاولات لتقزيم دور القوات المسلحة التي يرتفع رصيدها الشعبي مع كل انتصار تحققه، فقد كان اللاعب الرئيسي في المشهد السياسي العراقي على مدى ستة عقود منذ سقوط النظام الملكي عام 1958.

أما على مستوى مواقف القوى والأحزاب في الساحة السياسية، فهناك مؤشرات على أن هناك مسارات جديدة قد تظهر مع بوادر التفكك في بعض الكتل الكبيرة، التحالف الوطني والتحالف الكردستاني، وهي على أية حال نتائج لنضوج خلافات غير جديدة يعود بعضها إلى ما قبل التغيير عام 2003.

إلا أن هذه التفككات لا يمكن تفسيرها على أنها تعبير عن قناعة للخروج من الخندق العرقي أو الطائفي نحو الوطن الأكثر اتساعاً مع أنه من غير شك يخدم أغراض ذلك، إلا أنه في الحقيقة لا يتعدى تطمين مصالح بعض القيادات التي تجد نفسها في وضع انتخابي أفضل حين تتجاوز بعض الخطوط.

ولكن ليس الحمراء منها. فالتيار الصدري قد وجد نفسه خارج سرب التحالف الوطني منذ عدة سنوات، إلا أنه لم يغادره حتى الآن، كما أن رئيس الوزراء العبادي على أشد الخلافات مع زعيم حزبه وزعيم كتلته النيابية نوري المالكي، الذي لم يدخر وسعاً للإطاحة به، إلا أنه لا يزال ضمن كتلة دولة القانون وضمن حزب الدعوة.

 

Email