نقمة ونعمة الانفتاح الإعلامي

ت + ت - الحجم الطبيعي

قرأت في تقرير موسع أصدره أمس نادي دبي للصحافة ومدينة دبي للإعلام، أننا نقضي 40 في المئة من مدة انتباهنا أو يقظتنا مشغولين بالأجهزة الإلكترونية، حيث نقضي ثمانين دقيقة في العلاقات الاجتماعية ونحو نصف ساعة في مشاهدة مقاطع الفيديو.

وكأنه لم يكن ينقصنا سوى هذا الدليل العلمي ليؤكد أن ما نشاهده من انكباب الناس على الانشغال بأجهزتها الهاتفية واللوحية هي بالفعل ظاهرة تؤكدها الأرقام وليس الانطباعات. وهي ظاهرة صحية من جهة وغير صحية من جهة أخرى.

فهي صحية لأن تنامي ظاهرة «الرقمنة الإعلامية» بسبب تزايد استخدام الإنترنت وارتفاع نسب مشاهدة المحتوى الإعلامي عبر الأجهزة المحمولة، وبسبب أن 50 في المئة من سكان المنطقة العربية هم تحت سنة الرابعة والعشرين، وهي ضعف النسبة في الولايات المتحدة وبريطانيا.

كل هذه الأسباب تبشرنا بأننا أمام انفتاح هائل على المعلومة أياً كانت وسيلتها.

هذا كله سيجعلنا أكثر سرعة من أي وقت مضى، في معرفة ماذا جرى وكيف حدث، وسنكون أكثر حساسة من إخفاء الجهات الرسمية في العالم العربي لمعلومات مرتبطة بمصائرنا.

هذا ما يحملنا جميعاً مسؤولية الارتقاء بالمحتوى، سواء كنّا كتاباً أو مدونين أو مؤسسات بشتى أنواعها، فكل ما نكتبه أو نصوره في الإنترنت يشكل بدرجة أو بأخرى مزاج الناس.

كما أن تنازل الأفراد عن قيمهم الأصيلة والترويج للبذاءة والانحطاط يمهد الطريق لجيل قد يكون أسوأ منا، لأنه صار يرى «نجماً في عصره» ينشر كل مساوئه في الشاشة الهاتفية بذريعة بث يومياته.

شخصياً، أرى أن الانفتاح الكبير قد يسهم في الارتقاء بذائقة الناس إذا زاحمنا الآخرين بمحتوى إبداعي وراق، سواء كان جاداً (يفيدهم) أو ترفيهياً ومسلياً يرفع عن كاهل الناس وطأة الضغوطات الحياتية «بكوميديا الموقف»، كما يسميها أهل المسرح وليس بحفلة إسفاف وتهريج.

أما الجانب غير الصحي الذي بدأنا ندفع ثمنه بسبب انشغالنا بالهواتف لساعات، فهو آلام فقرات الرقبة. هذا المرض أو العارض بدأ ينتشر بسرعة بين الصغار والكبار، بسبب أن وزن رأس الإنسان يبلغ 4.5 كيلوغرامات، وكلما زاد انحناؤه إلى الأمام زاد ثقله وألمه على الرقبة.

ليت شركاتنا أو وزارات الصحة تطلق حملة وطنية يشارك فيها ثلة من الأطباء العرب بفيديوهات علمية مصورة، تشرح كيف يمكن تفادي مضار الانشغال الطويل على الرقبة والعينين والظهر، فضلاً عن خطورة الجلوس الطويل الذي يبدو أنه صار يقلص الكوليسترول الحميد بعد مكوثنا لساعتين من دون تحرك.

الانشغال بالانفتاح الإعلامي وأجهزته الحديثة نعمة إن أحسنا استخدامه، ونقمة إن لم نفعل ذلك.

 

Email