زيارة السيسي المنتظرة لأميركا

ت + ت - الحجم الطبيعي

زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى الولايات المتحدة للقاء الرئيس الأميركي، قادمة، ومنذ 6 نوفمبر 1973 عندما قام هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركي آنذاك بزيارة القاهرة في أعقاب حرب أكتوبر، وحتى الآن فإن العلاقات المصرية الأميركية اكتسبت مكانة خاصة لدى البلدين سواء اتخذت من «الشراكة الاستراتيجية» عنواناً، أو أخذت من سمات «التوتر» و«الأزمة» عناوين أخرى.

في كل الأحوال كانت التفاعلات المصرية الأميركية مهمة وواقعة على رأس قائمة الأولويات المصرية على الأقل، وكما أن لكل ذلك دلالات عامة يصعب سرد تفاصيلها الآن، إلا أن توقيت زيارة الرئيس السيسي مهم جداً.

الرئيس السيسي يذهب إلى واشنطن وفي جعبته الكثير. مصر الدولة التي أسقطت التنظيم الإرهابي للإخوان المسلمين من عليائه، وهي الدولة التي أوقفت في ٣٠ يونيو ٢٠١٣ مد الحركات الإرهابية للسيطرة علي المنطقة، وهي التي تقف اليوم صامدة وحدها في مواجهته دون مشاركة من أحد.

مصر أيضاً لديها الإمكانية لكي تخوض معركة القلوب والعقول الضرورية بما لديها من مؤسسات دينية وثقافية وإعلامية، ولا يختلف أحد على أنها الدولة التي بدأت من خلال مبادرة رئيسها بالدعوة إلى تجديد الفكر الديني.

حينما تذهب القاهرة إلى واشنطن فإن في جعبتها خريطة طريق جرى تنفيذها ووضعت مصر عبر الدستور والقانون على أول خطوات التحول الجاد نحو الديمقراطية بالدستور والقانون والمؤسسات؛ كما أنه جرى لديها عملية إصلاح اقتصادي عميقة لا عودة ولا تراجع عنها، ومن ثم باتت مؤهلة للاستثمار الأميركي واسع النطاق.

كل ذلك يجعل لقاء الرئيسين السيسي وترامب مؤهلاً لإرساء الإطار الاستراتيجي للعلاقات خلال المرحلة المقبلة، أما الأمور التكتيكية، وهي مهمة، فإنها تترك للمعاونين، وضمن هذا الإطار فربما يكون أهم ما يسعى له الرئيس السيسي هو التوافق مع الرئيس الأميركي على ميثاق Charter يكفل تحقيق الاستقرار في المنطقة من خلال تسوية الصراعات القائمة.

هذا الميثاق، كما سبق وأوردناه في مجالات أخرى يقوم على مبادئ، أولها أن الدولة في المنطقة، كما أفرزتها التطورات التاريخية خلال القرن العشرين قد وجدت لتبقى، وأن كل البدائل المطروحة للتقسيم لا تعني إلا دوام العنف وازدهار الإرهاب، وثانيها أن الدولة ضمن حدودها القائمة هي التي لديها الحق الشرعي لاحتكار القوة ووسائلها ولا أحد آخر.

وثالثها أنه لابد من مرحلة انتقالية تجري فيها الانتخابات تحت إشراف دولي مناسب، لانتخاب جمعية تأسيسية تضع دستوراً للدولة يكفل حقوق الإنسان والفصل بين السلطات وأساس تداول السلطة في الدولة، كما يكفل حقوق الأقليات والطوائف ضمن إطار مناسب من اللامركزية، ورابعها كفالة المجتمع الدولي والدول العربية عملية الانتقال السلمي من الأوضاع البائسة الراهنة إلى أوضاع الاستقرار والتعاون.

وخامسها أن حل الصراع العربي الإسرائيلي، هو جزء لا يتجزأ من عملية بناء الاستقرار في المنطقة، وضمن هذا الإطار فإنه لدى إسرائيل فرصة ذهبية لكي تحقق السلام الشامل والعادل والدائم، وضمان أمنها وأمن مواطنيها، من خلال تطبيق المبادرة العربية للسلام التي يضمنها النظام الدولي والإقليمي.

إن العلاقات الثنائية المصرية ـ الأميركية وازدهارها هي حجر الزاوية في بناء النظام الإقليمي الجديد، وبقدر ما أن المبادئ السابقة سوف تكفل وجود شبكة عميقة من التشاور والتنسيق خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والقضية الليبية، فإن السلامة الاقتصادية المصرية ضرورية للمنطقة ككل بما لدى مصر من أرصدة الموقع والسكان والريادة في مجالات الحرب والسلام.

هنا فإن مصر لا تطلب بالضرورة عودة المعونات الاقتصادية الأميركية أو زيادتها، وإنما احترام الولايات المتحدة لتعهداتها السابقة بالمساواة مع إسرائيل حتى ولو كان ما سوف تحصل عليه يستخدم كمحفزات للشركات الأميركية للاستثمار في مصر ونقل التكنولوجيات الجديدة إليها.

في مثل هذه الحالة فإن مصر لا تطرح نفسها متلقياً للمنح والمساعدات، وإنما شريكاً اقتصادياً واسع الإمكانيات، فقبل وبعد كل شيء فإن حجم الاقتصاد المصري يزيد على تريليون دولار محسوباً بالقدرة الشرائية للدولار، وذلك دون حساب الاقتصاد غير الرسمي الذي ربما يأخذ الحجم الحقيقي للاقتصاد المصري إلى ما هو أكثر.

منح مصر هنا منطقة للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة بالمساواة مع دول أخرى مثل الأردن سوف يعطي البلدين فوائد جمة.

كل ما سبق على المستوى الإقليمي والعلاقات الثنائية فيه الكثير من التفاصيل التي لن تغيب عن المتخصصين، والمهم أن نكون مستعدين في هذه الزيارة استراتيجياً وتكتيكياً لكي يكون العائد منها مفيداً لمصر أمنياً عبر الحصول على الأسلحة التي نحتاجها في مقاومة الإرهاب، وإعلان جماعة الإخوان جماعة إرهابية، وسياسياً بتحقيق استقرار المنطقة، واقتصادياً بالاستثمار الدولي في الاقتصاد المصري (منطقة التجارة الحرة). إنها حقاً زيارة مهمة!

 

Email