تخبط الإدارة في واشنطن

ت + ت - الحجم الطبيعي

بدأت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بداية مضطربة، فقد وصلت الإدارة إلى الحكم مهيضة الجناح بسبب أن معظم الأميركيين لم يصوتوا لها.

كما هو معروف فإن الرئيس الأميركي فاز بالأصوات الكلية للولايات ولكنه خسر الأصوات الشعبية بفارق ثلاثة ملايين صوت لصالح منافسته هيلاري كلينتون.

مع أن ترامب ليس الرئيس الأول الذي يفوز بالرئاسة رغم خسرانه الأصوات الشعبية، فقد سبقه في ذلك الرئيس جورج دبليو بوش وآخرون.

وبعد فوز الرئيس ترامب في الانتخابات دخل في مواجهة مع المجتمع الاستخباراتي بسبب ما قاله الأخير عن التدخل الروسي والتلاعب بالانتخابات لترجيح كفة مرشحها المفضل، وبعد نكران التدخل الروسي من قبل ترامب، اقتنع الرئيس المنتخب بعد سماعه إيجاز من المخابرات المركزية بتدخل موسكو للتأثير على نتيجة الانتخابات، فقرر ترامب زيارة مقر السي أي إيه، والزيارة أكدت الوساوس حول كفاءته كرئيس.

وعقد الرئيس المنتخب أول مؤتمر صحفي بعد أن اقتصر تواصله مع العالم بتغريدات يراها الكثير معبرة عن الرعونة، واستطاع ترامب معاداة الصحافة بدلا من محاولة كسبها، ويقال في الثقافة السياسية الأميركية إن الرئيس الأميركي المنتخب يتمتع بشهر عسل مع الصحافة يقل أو يطول حسب تعامل الإدارة مع الإعلام، ولكن الرئيس الجديد لم يتمتع بأي عسل مع الإعلام واتهمهم بالترويج للأخبار المزورة.

ثم أتى التتويج الرئاسي في 20 يناير والذين قاطعوه أكثر من ثلث أعضاء مجلس النواب الديمقراطيين، وعلى المستوى الشعبي فقد عزف الكثير عن حضور احتفالات التنصيب، وبدلا أن تظهر الإدارة عزمها على اكتساب الجمهور دخلت في مشاحنات مع الإعلام واتهامه بتقليل تقدير حضور الجماهير لحفلة التنصيب، وتظاهر الكثير من المواطنين ضد استلام ترامب للحكم، ثم خرجت مسيرة النسوة ضد ترامب وقدرت بنصف مليون معظمهم من النساء، كما خرجت مظاهرات متضامنة في أنحاء كثيرة من العالم وصلت إلى مليونين.

وتقدمت الإدارة بمرشحيها للمناصب المتعددة؛ وكان كثير منهم مرشحين خلافيين، وبعضهم تشوبه سمعته شبهات، والأخر لم تكتمل أوراقه للحصول على موافقة مجلس الشيوخ، وقد أدى كل ذلك إلى تعطل عملية الموافقة على الوزراء المعينين من قبل مجلس الشيوخ، ومرة أخرى القى الرئيس باللائمة على أعضاء «السنت» في التباطؤ للموافقة على تعيين مرشحيه للمناصب الوزارية.

والتعيينات لم تخل من المشاحنات، فالتعينيات الوزارية لم يكن فيها أحد من أصول أميركية–لاتينية لأول مرة لعقود من الزمن،.

ويجدر الإشارة أن ترامب لم ينفك من مهاجمة الأميركيين والمقيمين من أصول إسبانية خلال حملته الانتخابية، وقد دعا مراراً وتكراراً لسياسات معادية للمهاجرين وبناء جدار يمنع تسلل المهاجرين غير الشرعيين إلى الولايات المتحدة. وقد دلت التعيينات عن انعدام الحساسية السياسية بسبب مواقفه المعادية لهذه المجموعة الاثنية والتي تعتبر أكبر أقلية في الولايات المتحدة، حيث يبلغ نسبتها 17% من مجموع السكان.

وبدأ الرئيس بإصدار تشريعات بأوامر رئاسية بدلا من التشاور مع الكونغرس وتمرير القوانين، واستل سيف الأوامر الرئاسية ليضرب به سبع دول غالبية مواطنيها مسلمين، وعلى ما يبدو انه أراد بأن يفاجئ العالم فلم يستشر خبراء القانون الدستوري أو مستشاريه السياسيين حول تبعات القرار، ولم ير الأمر الرئاسي الضوء حتى تم اسقاطه في أروقة المحاكم.

وحينها كانت ردة فعل الرئيس الأميركي عبر تغريده بأن «ما يسمى بقاض» أصدر قراراً سخيفاً وان المحاكم ستبطله، وبدلا من أن يجمع قواه لاستصدار قانون آخر يفي بالغرض أصر على الاستئناف في المحاكم، وجاء حكم الاستئناف بالإجماع ضد الإدارة والأمر الرئاسي لمنع مواطني هذه الدول من الدخول إلى الولايات المتحدة لفترة ثلاثة أشهر.

في الشأن الخارجي وقبل تنصيبه، تلقى الرئيس المنتخب ترامب مكالمة من رئيسة تايوان رغم أن واشنطن ملتزمة بسياسة الصين الواحدة، وقد أزعجت هذه المكالمة «بيجين» والتي ذكرّت ترامب بالتزامات الولايات المتحدة في هذا المجال في معرض تهنئته بالفوز بالانتخابات الرئاسية، ثم كانت المكالمة مع رئيس الوزراء الأسترالي .

والتي أصبحت موضع تندر في العالم، وقد عبرت الصحف الرصينة في الولايات المتحدة أن ترامب عمد إلى شتم مجاني لأهم حليف للولايات المتحدة، وفعل نفس الشيء مع رئيس الجارة الجنوبية المكسيك، وتزعم مصادر في البيت الأبيض أن ترامب هدد المكسيك بالغزو إذا ما رفضت بناء الجدار العازل على نفقتها.

ولم تحرم منطقة الشرق الأوسط من التخبط السياسي للإدارة الجديدة، فحين امتنعت إدارة باراك أوباما عن التصويت لقرار مجلس الأمن والذي يدين الاستيطان الإسرائيلي، غرد الرئيس الأميركي المنتخب منتقداً الإدارة لسماحها بتمرير القرار، ثم أعلن البيت الأبيض انه لا يرى أن الاستيطان حجر عثرة في إحلال السلام في المنطقة، ولكن الإدارة ما لبثت أن غيرت موقفها.

وما النكسة الأخيرة بإنهاء خدمات مستشار الأمن القومي إلا حلقة ضمن سلسلة التخبط.

 

Email