أسس حماية العمل الخيري من الإرهاب

ت + ت - الحجم الطبيعي

العمل الخيري ذو أهمية كبرى في التاريخ القديم والمعاصر، ويلقى اهتماماً كبيراً من دول العالم في العقود الأخيرة، لما له من دور مهم وفعّال لا يمكن الاستغناء عنه في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وحل المشكلات المحلية والعالمية، وله أهمية مميزة في الدين الإسلامي والمجتمعات العربية والإسلامية، لآثاره الإيجابية في مكافحة الفقر والآفات الاجتماعية وإغاثة المنكوبين وتحقيق الحياة الكريمة للناس، ولكن قد يقتحم هذا المجال الشريف الجليل دخلاء مغرضون لا يبتغون به أعمالاً إنسانية وإنما تحقيق أغراض مشبوهة، وقد تتحول بعض الجمعيات الخيرية ليس في الوطن العربي أو الإسلامي فحسب، بل في العالم على اختلاف دوله وشعوبه إلى مصادر خطر وتهديد، وتتورط في دعم منظمات إرهابية أو أوكار عصابات أو حركات تقوّض أمن المجتمعات وسلامتها.

وتعتبر الأنشطة الخيرية أهدافاً مغرية للإرهابيين والمشبوهين الذين يسعون للحصول على الأموال بشتى الطرق لدعم أنشطتهم، فالمال عنصر حيوي بالنسبة لهم، ومن دونه يصابون بالشلل، ولذلك يحاولون استدرار عواطف الناس، واستغلال رغبتهم في عمل الخير، ليحصلوا على أموالهم لتنفيذ مشاريعهم، والأمثلة على ذلك كثيرة، فالحركات الصهيونية في أوروبا وأميركا استغلت باب التبرعات والعمل الخيري شر استغلال، وتمكنت من جمع أموال طائلة لخدمة مشاريعها الإرهابية، وقلَّ أن تجد حركات مشبوهة في العالم، إلا وهي تعتمد في إحدى أذرعها التمويلية على التبرعات بما في ذلك عصابات المافيا، وكذلك حكومة ولاية الفقيه في إيران التي تمارس أنشطتها المشبوهة في بعض البلدان تحت ستار الجمعيات الخيرية.

ولذلك فإن حماية العمل الخيري من الإرهاب والجرائم المنظمة والأيادي المغرضة أمر مهم وضروري على مستوى العالم، لتجفيف منابع الحركات الإرهابية والمشبوهة، وذلك يحتم وجود إشراف حكومي أو رسمي على هذا القطاع من قبل الدول، ومراجعة أنشطتها باستمرار، والتأكد من أن إنفاق الأموال يتم لصالح الأعمال الإنسانية، واختيار أعضاء مجالس إدارات هذه الجمعيات وكوادرها العاملة وفق معايير صحيحة تحقق سلامة الاختيار، بالإضافة إلى وجود قوانين حازمة لمكافحة تمويل الإرهاب والجريمة المنظمة، وتطبيقها تطبيقاً جاداً لمحاسبة المتورطين، وتوعية الناس عبر وسائل الإعلام المتنوعة بوضع أموالهم في المجالات الصحيحة، وذلك يتطلب شجاعة كبيرة في المجتمعات التي تعج بآلاف المنظمات الخيرية على عجرها وبجرها، والتي ينبغي أن تحاسب نفسها قبل أن تحاسب غيرها، أو تلك المجتمعات التي تعاني من وطأة العصابات ورجال الجريمة المنظمة.

وتتميز دولة الإمارات بتجربتها المميزة في مجال العمل الخيري، مكَّنتها بجدارة من تبوؤ المراكز الأولى في تقديم المساعدات الإنسانية والإنمائية على مستوى العالم، وهي تجربة رائدة جمعت بين الدعم والضبط، أي بين تشجيع وتحفيز ودعم هذا المجال المهم، وبين ضبطه وتنقيته من الشوائب ووضعه تحت الإشراف الرسمي ليؤدي غرضه المقصود، ويكون بمنأى عن الأيادي المشبوهة، ولتصل أموال التبرعات التي يساهم بها أهل الخير إلى مستحقيها عبر المؤسسات والجهات الموثوقة، وسنت دولة الإمارات القوانين الحازمة لمكافحة تمويل الإرهاب، ومن هذه الرؤية الحكيمة انطلقت المؤسسات الخيرية في دولة الإمارات، وأشرقت إسهاماتها في الداخل والخارج، وغدت رافداً مهماً في دعم مبادرات الدولة، لإغاثة المنكوبين وإعانة المحتاجين، وجهات مأمونة لتسيير قوافل الإغاثة لنجدة المستحقين، وها هي مبادرة عام الخير تشرق بأنوارها، لتجعل من دولة الإمارات لؤلؤة للعمل الخيري.

ودور الأفراد مهم جداً في هذا المجال، وذلك أوَّلاً بأن يتحلوا بالوعي واليقظة، والحرص على وضع أموال تبرعاتهم في الأيادي الموثوقة والجهات الرسمية الأمينة، ففي الحديث النبوي: «لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يُسأل عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه»، وثانياً بتنمية الحس الخيري لديهم ودعم المبادرات الإنسانية التي تطلقها الدولة، والتنافس في ميادين البذل والعطاء عبر المؤسسات الرسمية، فأحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وتحقيق هذا التوازن بين الدعم والضبط من شأنه أن يرفع مستويات العمل الخيري بشكل سليم ومأمون.

وإن على القطاعات الخيرية في البلدان العربية والإسلامية أن تكون كما ينبغي، متحلية بالوسطية والاعتدال والسير وفق أنظمة بلدانها، وأن يكون كوادرها مؤهلين مأمونين، متجردين من الحزبية أو أي غرض دون، فضلاً عن التطرف والإرهاب، وأن تلفظ هذه القطاعات أي يد مشبوهة تسعى لاستغلال هذا القطاع لدعم أنشطة إرهابية أو مشبوهة، وعلى الحزبيين والإرهابيين والمشبوهين أن يكفوا أيديهم، وألا يشوهوا العمل الخيري، فيبوؤوا بإثم هذا التشويه، وأن يراجعوا أنفسهم، ويصححوا مسارهم، كما أن على القائمين على هذه القطاعات أن يوثقوا أعمالها توثيقاً دقيقاً، وألا يكونوا سبباً لإلصاق تهم الإرهاب بها من خلال سوء استغلالهم لهذا القطاع المهم، أو تمكين الحزبيين والمتطرفين منه، فالمتربصون كثر، والعاقل يصون نفسه عن الشبهات والرِّيَب، ويحفظ لهذا المجال صفاءه ونقاءه.

إن أمة الإسلام أمة الوسطية والخير، ترفع من قيمة العمل الخيري وتقديم المعروف وإغاثة الملهوف ونجدة المكروب، وفي المقابل تلفظ ثقافات التطرف والإرهاب والعنف، لأنها أمة الرحمة والإحسان.

Email