العرب يحصدون الخراب من ثوراتهم

ت + ت - الحجم الطبيعي

غداً الأربعاء الخامس والعشرون من يناير، يوافق مرور ست سنوات على انطلاق ثورة يناير المصرية في سياق التطورات السياسية والأمنية الأهم في تاريخ أمتنا العربية خلال نصف القرن الأخير، في سياق ما اصطلح على تسميته الربيع العربي، ويعتبره آخرون الخريف أو الخراب العربي، ولكل أسانيده ومنطقه ووجهة نظره التي يدافع عنها بمنتهى القوة.

من حيث المبدأ ومن وجهة نظر شخصية بحتة، من الصعب رفض الرأيين رفضاً مطلقاً، وكذلك يصعب قبولهما كمسلمات لا يجوز دحضها أو تفنيدها، فمع تفاقم التوترات الأمنية والسياسية في معظم دول هذا الربيع، ومع تردي الأوضاع الاقتصادية والظروف الاجتماعية في تلك التي نجت من حروبه الأهلية الدامية، ومع تكشف وقائع ومعلومات جديدة حول الخلفيات والتدخلات الخارجية التي ساهمت في إطلاق وتأجيج أحداث الربيع العربي، أصبحت التحليلات تتراوح ما بين اعتبار كل ما حدث مؤامرة مدبرة ضد الدول العربية تم صياغتها في دول كبرى لتنفيذها بمساعدة أطراف داخلية وتواطؤ قوى إقليمية، أو اعتبارها ثورات حقيقية تم اغتيالها منذ البداية باستغلال ثغراتها وخاصة فيما يتعلق بغياب قيادات حقيقية لها أو بدائل سياسية لما هو قائم بالفعل.

انطلاقاً من تلك الصراعات والمواجهات الفكرية التي واكبت أحداث الربيع العربي ولا تزال، ستظل الحيرة قائمة وتعارض الآراء مستمراً إلى حد التنافر لأن القراءات متعددة ولا يغيب عن معظمها البعد السياسي الذي يتحكم في الرؤية ومنظور التحليل، وإجمالاً وفي ضوء حقائق تاريخية ليست بعيدة وتطورات حاضرة نعيش تداعياتها المستمرة، فمن الظلم البين اعتبار كل ما جرى من أحداث في سياق الربيع العربي مؤامرة خالصة، فأين تلك المؤامرة التي يمكن من خلالها تجنيد عشرات الملايين من أبناء شعب واحد ودفعهم في اللحظة ذاتها للثورة على أوضاع صعبة في مختلف القطاعات؟

لقد كانت هناك بالفعل أسباب موضوعية لثورات الربيع العربي وخروج الشعوب في بعض الدول، بحثاً عن العدالة وقيم سياسية جديدة بعدما عجزت النظم القائمة عن مجاراة طموحات وتطلعات الشعوب والارتقاء بها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، بل هناك من سقط في هوة سحيقة من الفساد والديكتاتورية التي عادت ببلادهم إلى الخلف عشرات السنين بدلاً من مجاراة روح العصر في التطور والتقدم، ومن ثم فإن تلك المجتمعات كانت بالفعل معبأة بكل مقومات الثورة رغبة في التغيير.

إلا أنه في هذه الدول إذا ما ذكرت أحداث الربيع العربي حالياً في أي حوار ثنائي أو جماعي أو على أي مستوى، فسرعان ما ستجد من يهب في وجه الجميع ليصب اللعنات على الثورات وما سببته من جحيم ودمار في دول الربيع العربي، مشيراً في الوقت ذاته إلى حجم المؤامرات الخارجية الضخمة التي خططت ورتبت ونفذت هذه الثورات ووصلت بها إلى هذا المستنقع العميق.

هذا منطق آخر يصعب رفضه حتى لو لم نقبله كلياً، فالعنصر الخارجي كان سبباً مباشراً فيما وصلت إليه الأوضاع في ليبيا وسوريا واليمن، بل إنه ساهم في تدمير ثورات أخرى سارت بشكل سلمي وكادت أن تحقق بعضاً من أهدافها لولا التدخل الخارجي الغاشم، وليس أدل على ذلك من الاعترافات المتتالية من جانب مسؤولين أميركيين بمسؤولية الغرب عن فشل أحداث الربيع العربي وما وصل إليه من حروب.

نائب رئيس الـمخابرات المركزية الأميركية السابق مايكل موريل أكد من جانبه أن الاستخبارات الأميركية أخطأت بتقييم نتائج الربيع العربي الذي عاشته دول عدة في الشرق الأوسط، ملقياً الضوء على ما جرى في ليبيا ومصر، موضحاً أن الربيع العربي كان بالفعل ربيعاً لتنظيم القاعدة في مجالين؛أولهما أنه أدى لتدمير مؤسسات كانت قادرة على الوقوف في وجههم، وأضاف: «حذرنا لسنوات بأن الضغط يتزايد في منطقة الشرق الأوسط، ومنها الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وما لم نتمكن من القيام به هو أن نقول للرئيس إن هذه الضغوط وصلت لدرجة الانفجار ولم نتمكن من تحديد نقطة الذروة، وأعتقد أنه كان ينبغي علينا ذلك«.

حسب رؤيته فإن الولايات المتحدة لم تفهم الاضطرابات الاجتماعية التي حدثت في مصر سنة 2011، ولم تتوقع أن تسير الأحداث بتلك السرعة، وأضاف أن سرعة الأحداث تجاوزت قراءة الجميع في بداية اندلاع الثورة، وأكد الباحث الأميركي أن واشنطن لم تتدخل في الوضع المصري، لافتاً إلى أن ثلاثة أطراف اتفقت على ضرورة التغيير، في إشارة إلى شباب الثورة والحزبيين والجيش، وأضاف «نحن نطور سياساتنا تجاه مصر، لكن علينا في نهاية المطاف التعامل مع الحكومات القائمة».

لا شك في أن الاعترافات الأميركية، والمشاهد الراهنة في أمتنا العربية تؤكد أن دول الربيع العربي لم تعرف سوى حصاد الهشيم نتيجة له، وإذا كان تقرير أممي قد قدر خسائر الربيع العربي بنحو 600 مليار دولار، فلا شك في أنه يمثل رقماً هزيلاً جداً إذا ما قورن بالأرواح التي أزهقت والدماء التي جرت والجثث التي ابتلعتها أعماق المتوسط ومظاهر الدمار والخراب التي لحقت المدن والقرى والأقاليم في مختلف المجالات، ومعدلات التنمية التي تآكلت وعمليات الإنتاج التي تعطلت، وجميعها خسائر فادحة يصعب تقديرها بأرقام صماء، وتكفي الإشارة إلى أن الحكومات الموجودة حالياً في دول الربيع العربي أصبحت في الوقت الراهن مطالبة ببذل جهود مضنية لإصلاح مشكلات ما قبل هذا الربيع ومواجهة الكوارث والأزمات التي نجمت عنه.

Email