رفسنجاني.. البراغماتية والشرعية الثورية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعتبر علي أكبر هاشمي رفسنجاني أحد الآباء المؤسسين للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وبوفاته الأحد الماضي غاب أحد رموز ورجالات النظام الإيراني، ويعتبر رفسنجاني من أواخر الرعيل الأول.

تكمن أهمية رفسنجاني في أنه المؤسس للجمهورية الثانية في إيران في العام 1989، وقد كان حينها رئيسا للبرلمان، فبعد وفاة الخميني، كما تشير المصادر، عمد رفسنجاني إلى تغييرات دستورية مهمة بحيث سمح لرجال الدين الأدنى مرتبة بالترشح إلى خلافة مرشد الثورة أو القائد الأعلى، وقد أفضى هذا بتقلد علي خامنئي المنصب، كما قام بإلغاء منصب رئيس الوزراء وتركيز السلطة التنفيذية في يد رئيس الجمهورية، وهو المنصب الذي تولاه في نفس العام.

يشار إلى أن رفسنجاني دعم تصعيد خامنئي إلى المنصب الأعلى في الدولة والمجتمع الإيرانيين باعتباره شخصية طيعة يستطيع أن يتحكم فيها، إلا أن المرشد وبعد أن ثبت أركان حكمه بسط نفوذه على الجميع، مما ولد تنافسا شديدا بين الشخصيتين اللتين وصلتا إلى سدة الحكم بعد الثورة التي أطاحت بالنظام الشاهنشهاي.

ينحدر الرجلان من خلفيتين اجتماعيتين مختلفتين، فمرشد الثورة خامنئي من أصول أذرية ومن عائلة فقيرة ودينية عاشت في مدينة مشهد في إقليم خورسان، بينما ينحدر رفسنجاني من عائلة فارسية غنية من منطقة كرمان تشتغل في تجارة الفستق، وقد عانى الاثنان الأمرين من حكم الشاه.

والذي اعتقلهما مرارا وتكرارا لمعارضة حكمه. انصب جل اهتمام رفسنجاني حين وصل إلى الرئاسة في العام 1989 إلى إعادة إعمار البلاد التي خرجت لتوها من حرب دامت ثماني سنوات مع العراق، وقد تبنى سياسة اقتصادية تركزت على تحرير الاقتصاد وخصخصة القطاع العام، كما أنه أعاد سوق الأوراق المالية من زمن الشاه كجزء من سياسة تحرير الاقتصاد الإيراني.

استطاع رفسنجاني إقناع النخبة الإيرانية والشعب الإيراني بعبثية تصدير الثورة وان إيران بإمكانها تحقيق نظام إسلامي من خلال اتباعها نهجا براغماتيا وتحسين علاقتها بجيرانها العرب، وفعلا قامت الرياض بتنسيق السياسة النفطية مع إيران لوقف تدهور أسعار النفط في الأسواق العالمية.

ويدلل هذا التعاون على استعداد الطرفين للتعاون إذا ما تطلبت المصالح الاستراتيجية ذلك، ويدل هذا التعاون على محدودية العامل الطائفي على تفسير حدة المواجهة بين العرب وإيران، فقد شهدت فترة التسعينيات وبداية الألفية أحسن فترات العلاقات العربية-الإيرانية منذ سقوط الشاه.

شرع رفسنجاني بالدفع إلى البراغماتية السياسية مقابل الخط الثوري المتعصب، والذي ينتهجه المرشد ومن خلفه من الحرس الثوري، وقد كان لفوز الإصلاحي محمد خاتمي في الانتخابات الرئاسية خلفا لرفسنجاني ولفترتين متتاليتين أن أعطى الخط المعتدل والبراغماتي زخما ودفعة جديدة، واستطاع رفسنجاني لعب دور مهم كرئيس لمجلس الخبراء ورئيس لمجلس تشخيص مصلحة النظام، ويُعنى الأول بتعيين خلف لقائد الثورة والأخير بفض الخلاف بين البرلمان ومجلس الأوصياء في مسائل التشريعات.

ويقول الخبير الإيراني كريم ساجبوري إن الإيرانيين والذين عاصروا فترة رئاسة رفسنجاني يرونه على انه التجسيد للفساد والاضطهاد، ولكن النظرة تختلف بالنسبة للجيل الأصغر والذين كانوا يرونه رغم تقدم سنه المخلص لإيران من الحكم الثيوقراطي. مما لا شك فيه فإن رفسنجاني سعى من خلال مسيرته السياسية، وخاصة بعد وفاة مؤسس الجمهورية، لتغليب منطق الدولة على منطق الثورة.

ولكنه لم يستطع أن يتخلى عن الشرعية الثورية والتي منحته كثيرا من السلطة والثراء، ولعل المراوغة في تثبيت النظام السياسي وشرعيته المتهالكة ورغبته في إحداث إصلاحات في النظام السياسي قد أكسبته شعبية في قطاعات معينة وعداء من قطاعات أخرى.

حاول رفسنجاني استعادة مكانته السياسية حين سعى للحصول على مقعد في البرلمان في انتخابات 2000، ولكنه فشل إلا بعد أن تدخلت السلطات لإعطائه المقعد الأخير في طهران، ولكنه فضل الاستقالة قبل أن يتسلم المنصب، وقد تبع هذا الخذلان هزيمة مذلة امام المرشح محمود احمدي نجاد، والذي كان يشغل عمدة مدينة طهران في العام 2005، ولكنه أخفق في هزيمة نجاد بسبب أن الجمهور اعتقد ان الأخير أكثر نزاهة منه.

شهد عصر نجاد تهميش رجال الدين لصالح قوات الحرس الثوري وخاصة بعد الانتخابات الرئاسية في 2009، والتي فاز فيها نجاد وشابها كثير من التساؤلات من جانب الإصلاحين المساندين لخصمه مير حسين موسوي وحركة الخضر، وقد انتقد رفسنجاني نتيجة الانتخابات، والتي شهدت احتجاجات شعبية؛ ولولا تدخل قوات الباسيج والحرس الثوري لأصبح نظام الجمهورية الإسلامية في خبر كان.

بدأت قوة وتأثير رفسنجاني في التلاشي بعد سيطرة العسكر، ولكنه أبى إلا أن يستعيد مجده، وقد تقدم كمرشح في الانتخابات الرئاسية في 2013، إلا أن مجلس الأوصياء حكم بعدم أهلية رفسنجاني لخوض الانتخابات، وحينها زكى رفسنجاني المرشح المعتدل حسن روحاني، وخسر رفسنجاني منصبه في مجلس الخبراء، وتوفي ولا يزال رئيساً لمجلس تشخيص مصلحة النظام، فيما أحد أبنائه في السجن بتهمة الفساد.

 

Email