رئاسة ترامب مثيرة للتساؤلات

ت + ت - الحجم الطبيعي

ليس ببعيد مطلقاً أن تتغير في السنوات القليلة المقبلة الطريقة التي اعتدناها في فهم السياسة الأميركية ومتابعتها. فما يجري الآن في المرحلة الانتقالية بين رئيسين يرسي في ذاته مجموعة من السوابق، ستكون لها تأثيراتها المهمة على السياسة الأميركية وصنعها.

في استطلاع رأي أجرته مؤخرا جامعة كينيباك الأميركية، اتضح أن شعبية الرئيس المنتخب دونالد ترامب قبل توليه الرئاسة بأسبوع متدنية للغاية في مثل ذلك التوقيت. فقد تبين أن 37 % من الناخبين الأميركيين فقط راضون عن أداء الرجل في المرحلة الانتقالية، بينما قال أكثر من 51% من أولئك الناخبين أنهم غير راضين عن ذلك الأداء.

مثل تلك الشعبية المتدنية تمثل سابقة جديرة بالانتباه، فعادة ما يتولى الرئيس الأميركي مهام منصبه وشعبيته في أعلى درجاتها، وهي الشعبية التي نشأ بموجبها مصطلح «المائة يوم الأولى»، وينبني على أساسها الكثير من التفاعلات السياسية للإدارة الجديدة، فالاهتمام بما سيفعله الرئيس الجديد في«المائة يوم الأولى» بعد توليه، مبنية في حقيقة الأمر على اعتبار تلك الشعبية من المسلمات.

المنطق وراء فكرة المائة يوم الأولى مؤداه أن الرئيس الجديد الذي فاز لتوه بالانتخابات ويتمتع بشعبية مرتفعة، بإمكانه استخدام ذلك الزخم لتنفيذ ما قد لا يكون بإمكانه تنفيذه بمجرد أن تبدأ شعبيته في الانخفاض، فشعبية الرئيس هي الرادع الوحيد الذي يمنع أعضاء الكونجرس من تحديه، ولا فارق في هذه الحالة بين أعضاء حزب الرئيس وأعضاء الحزب المنافس.

لذلك، تكون فرصة الرئيس في اتخاذ قرارات جريئة وتمرير مشروعاته الكبرى في الكونغرس، خلال المائة يوم الأولى، أعلى بكثير من مراحل لاحقة، لذلك، يكون الرئيس الجديد الذي استعد قبل توليه بأجندة واضحة في وضع أفضل، فشعبية ترامب المنخفضة تمثل إذن سابقة تطرح علامات استفهام حول طبيعة التفاعلات في الأشهر الثلاثة الأولى من عمر إدارته.

من السوابق التاريخية أيضا تلك التظاهرات التي تستعد للانطلاق يوم تنصيب ترامب، فبوش الابن لم يفز هو الآخر بالأصوات الشعبية بل تولى الرئاسة بحكم المحكمة العليا، لكن توليه الرئاسة لم يواجه مثل تلك المقاومة التي يواجهها ترامب.

ليس سرا أن صراعا علنيا يتفاقم على مدار الساعة بين الرئيس المنتخب وأجهزة الاستخبارات الأميركية، والذي كانت آخر حلقاته المثيرة للجدل هي ما جرى قبل ساعات من عقد أول مؤتمر صحافي للرئيس المنتخب، فهو استخدم تويتر ليشبه أداء أجهزة الاستخبارات بما كان يجري في «ألمانيا النازية»، والصراع المفتوح.

الآن، على كل الاحتمالات يمثل سابقة مهمة هو الآخر، فلعلها المرة الأولى في تاريخ أميركا المعاصر التي يحدث فيها صراع بمثل تلك العلانية بين أجهزة الاستخبارات ورئيس انتخب لتوه وقبل أن يتسلم رسميا مهام منصبه.

لعلها سابقة أيضا أن يفتح ترامب جبهات متعددة للصراع قبل توليه، فالأمر لا يقتصر على الاستخبارات، إذ طال أيضا الخارجية الأميركية. فقد تلقى سفراء أميركا حول العالم خطابا من فريق ترامب يخطرهم بحتمية ترك وظائفهم في السفارات التي يخدمون فيها في موعد أقصاه العشرون من يناير الجاري، أي يوم تنصيب ترامب رئيسا.

وتفرض تلك التعليمات صعوبات بالنسبة لأولئك السفراء الذين فوجئوا بأن عليهم تنفيذها في فترة وجيزة للغاية، وهي سابقة جديدة من نوعها، حيث كان المعتاد أن يمنح السفراء فترة سماح للعودة هم وعائلاتهم إلى بلادهم، وتلك السابقة قد تعني خلو عدد كبير من السفارات الأميركية حول العالم من السفراء، إلى أن ينتهي مجلس الشيوخ من التصديق على اختيارات ترامب لمن سيشغلها مجددا.

المؤتمر الصحافي الذي عقده ترامب يمثل عدة سوابق تاريخية، فقد تبين أن الذين كانوا يصفقون في القاعة ويستحسنون ما يقوله ترامب ليسوا الصحافيين الحاضرين للمؤتمر، وانما مساعدو ترامب ورجاله وأنصاره الذين جاءوا معه وانضموا للصحافيين في القاعة، وإصرار ترامب على حرمان مراسل «سى إن إن» من طرح سؤال يمثل سابقة تطرح، هي الأخرى، أسئلة كثيرة حول ما هو آتٍ في علاقة الرئيس الجديد بالإعلام.

رغم أن المؤتمر الصحافي حافل بالكثير، إلا أن أكثر ما يستحق التأمل، في تقديري، كان ما قاله فيه ترامب في معرض ثنائه على مرشحه لمنصب وزير الخارجية، ريكس تيلرسون. فهو بعد أن استشهد برأي صديق له من رجال الأعمال العاملين بمجال البترول، والذي قال عن تيلرسون ان لا أحد بكفاءته في هذا المجال، أضاف ترامب «وهذا ما أردت أن آتي به للحكومة...

لأننا في ذيل القائمة. فلم نعد نعقد صفقات جيدة»، ثم راح يعدد الصفقات الخاسرة في مجال التجارة مع الدول الأخرى من المكسيك لليابان، وتيلرسون مرشح للخارجية لا للتجارة، فإلى أي مدى يا ترى يعتبر ترامب أن مجمل السياسة الخارجية عبارة عن مجموعة من الصفقات يمكن إدارتها بمنطق التجارة لا العلاقات الدولية؟.

 

Email