مشكلة نتنياهو مع أوباما أم مع أميركا؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

نتنياهو كان محقاً في اتهاماته لإدارة أوباما بأنها كانت وراء إعداد وتسهيل صدور القرار 2334 عن مجلس الأمن الدولي، والذي طالب إسرائيل «بوقف فوري وكامل لجميع أنشطة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية»، واعتبر أن بناء إسرائيل للمستوطنات «لا يستند إلى أي أساس قانوني، وهو انتهاك صارخ للقانون الدولي، وعقبة كبرى أمام تحقيق حل الدولتين، وأمام سلام عادل ودائم وشامل».

هل يعني الخلاف بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو خلافاً بين أميركا ودولة إسرائيل؟ الجواب كلا طبعاً. فحجم المساعدات الأميركية لإسرائيل ازداد في السنوات الماضية، وجرى مؤخراً إقرار مساعدات مالية لإسرائيل للعشر سنوات القادمة بقيمة 38 مليار دولار، ولم تقم إدارة أوباما بأي تجميد لما تمنحه الولايات المتحدة سنوياً لإسرائيل من مالٍ وسلاح ومساعداتٍ مختلفة.

لقد كان مفهوماً في حقبة «الحرب الباردة» الانسجام الكامل بين المصالح الأميركية والإسرائيلية. فإسرائيل كانت بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية صماماً للأمان الأميركي في منطقة مجاورة للاتحاد السوفييتي السابق ولأوروبا، وفيها أهم مصادر الطاقة العالمية.

وكانت إسرائيل تجسد، في تلك الحقبة من الصراع بين الشرق الشيوعي والغرب الرأسمالي، دور «المركز العسكري الأمامي» الذي يحمي المصالح الأميركية، ويقوم بالنيابة عن واشنطن بما يستلزم من أعمال عسكرية قذرة تهدف إلى ضبط المنطقة.

الاختلاف الحالي الحاصل بين واشنطن وتل أبيب، عمره 8 سنوات، منذ مجيء إدارة أوباوما وتزامنها مع وجود نتنياهو في الحكم، وحيث لم يكن الخلاف حول الموقف من الملف الفلسطيني فقط، بل كان خلافاً في الرؤى حول السياسة المتعلقة بالشرق الأوسط عموماً.

لقد عملت إسرائيل منذ سنوات، خاصةً منذ وصول نتنياهو للحكم في مطلع العام 2009، على جعل أولوية الصراعات في المنطقة مختلفة، بحيث تتحقق عدة أهداف إسرائيلية مهمة جداً لكل الاستراتيجية والمصالح الصهيونية في المنطقة والعالم. فالمراهنة الإسرائيلية، المستمرة الآن، هي على تهميش الملف الفلسطيني.

إسرائيل لن تخضع الآن للمطالبة الدولية بإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدود العام 1967، عاصمتها القدس، ولا طبعاً لإزالة المستوطنات، أو القبول حتى بوقف الاستيطان، ولا بحل عادل لقضية اللاجئين، وهذه هي القضايا التي يُفترض أن يتم التفاوض بشأنها بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

إذن، هو تباين كبير حصل في كل السنوات الماضية بين استراتيجية الحكومة الإسرائيلية وبين أجندة إدارة أوباما التي أخذت بعين الاعتبار المصالح الأميركية أولاً، رغم أنها امتنعت عن الضغط الفاعل على إسرائيل.

نعم، هناك حضور كبير للضغط الإسرائيلي المؤثر على الحياة السياسية في داخل الولايات المتحدة، من خلال العلاقة المالية والسياسية مع أعضاء الكونغرس، ونتيجة الهيمنة على معظم وسائل الإعلام الأميركية، وحيث نجد الإدارات (الحكومات) في أميركا أسيرة ضغوط السلطة التشريعية (الكونغرس بمجلسيه) وعبر «السلطة الرابعة» أي الإعلام. فهذا العصر هو عصر «المال والإعلام»، ومن يملكهما يملك قدرة التأثير على صنع القرارات السياسية. هكذا فعل «اللوبي الإسرائيلي» في الغرب عموماً، وفي أميركا خصوصاً، من حيث تركيزه على المؤسسات المالية والإعلامية في الغرب.

لكن الفرز في الحياة السياسية الأميركية، ليس بين «حزب ديمقراطي» و«حزب جمهوري» فقط، بل يتوزع «التأثير الإسرائيلي» (كما هو أيضاً في قوى الضغط الأخرى) على الحزبين معاً.

حيث وجدنا عدداً لا بأس به من «الديمقراطيين» يشاركون في ممارسة الضغط على إدارة أوباما لصالح هذا «اللوبي» أو ذاك، علماً أن تعثر «البرنامج الأوبامي» في الملف الفلسطيني ليس سببه حصراً حجم تأثير «اللوبي الإسرائيلي»، فهناك طبعاً قوى النفوذ المهيمنة تاريخياً على صناعة القرار وعلى الحياة السياسية الأميركية، وهي قوى فاعلة في المؤسسات المالية والصناعية الأميركية الكبرى.

إضافةً إلى وجود اختلال كبير في ميزان «الضغوطات» على الإدارة الأميركية بموضوع «الملف الفلسطيني» لجهة حضور «الضغط الإسرائيلي» وغياب «الضغط العربي» الفاعل، مما يسهل الخيارات دائماً للحاكم الأميركي بأن يتجنب الضغط على إسرائيل ويختار الضغط على الجانب العربي، والطرف الفلسطيني تحديداً، وهو الطرف المستهدَف أولاً من قِبَل إسرائيل، كما أنه دائماً «الحلقة الأضعف»!.

ورغم ذلك، فشلت «الإيباك» خلال السنوات القليلة الماضية بتغيير اتجاهات «البيت الأبيض» في مسألتيْ سوريا وإيران، إذ إن «الإيباك»، ومن ورائها حكومة نتنياهو، ضغطت على إدارة أوباما من أجل القيام بضربات عسكرية ضد سوريا ولوقف التفاوض مع إيران بشأن ملفها النووي، وفشلت «الإيباك» في المسألتين، إضافة أيضاً للخلاف مع حكومة نتنياهو حول قضية المستوطنات ومشروع «الدولة الفلسطينية».

إسرائيل هي اليوم عبء مالي وسياسي كبير على أميركا وعلى مصالحها في العالمين الإسلامي والعربي.

 

Email