من السويس حتى الآن.. العروبة هي الهدف

ت + ت - الحجم الطبيعي

المشهد صادم، ولكنه حقيقي. سوريا الشقيقة يتم تقرير مصيرها، بعيداً عن مشاركة أهلها، وبعيداً عن مشاركة العرب أجمعين. يجتمع الروس مع ممثلي إيران وتركيا السياسيين والعسكريين، ليقرروا مصير سوريا.

تغيب أميركا عن الاجتماع، ولكنها ليست بعيدة، والتوافق بينها وبين المجتمعين يمضي رغم أي خلافات في التفاصيل، وتغيب إسرائيل عن الاجتماع – لأسباب معروفة – ولكنها الطرف الأساسي المستفيد من تدمير سوريا بعد العراق، ومن إغراق مصر ودول أخرى، في مواجهة التهديدات الأمنية المباشرة، وترك باقي العالم العربي يواجه مصيره!

المشهد صادم إذا كنا واعين بالفعل لما يجري على الأرض العربية، ولكنه حقيقي لمن يدرك معنى الغياب العربي في تقرير مصير سوريا، بعد الغياب أثناء غزو العراق وتدميره، وبعد تحويل ليبيا إلى مزرعة لتربية كائنات الإرهاب، وبعد استهداف مصر الذي لم يتوقف حتى الآن رغم نجاح شعبها في إسقاط حكم الإخوان الفاشي.

وبعد محاولة تطويق العالم العربي بعصابات الإرهاب وسرايا الحرس الثوري الإيراني وعملائه في المنطقة، وبعد محاولات إشعال نيران الفتنة المذهبية بين شعوب كانت العروبة تجمعها، وكان صحيح الإسلام يمد جسور التوافق بينها، رغم كل محاولات أعداء العروبة والإسلام.

يترافق ذلك مع تحرك «مجنون الإرهاب» يحاول - زوراً وبهتاناً - أن يربط نفسه بالإسلام، لم يعد سراً أنه نشأ في أحضان أجهزة المخابرات الأجنبية، ولا أنه كان على الدوام سلاحاً في يد أعداء الإسلام، والمقاتلين ضد العروبة، هكذا يقول لنا التاريخ منذ نشأة «الإخوان» في أحضان المخابرات البريطانية، وحتى ظهور الدواعش بمباركة أميركية.

يترافق ذلك مع تمدد كارثة الإرهاب الإخواني الداعشي التي تنقلب – كالعادة – على من دعموها واتخذوها سلاحاً لهم. لا يضرب هذا الإرهاب في عالمنا العربي والإسلامي فقط، بل يتمدد ليضرب في أوروبا ويهدد باقي دول الغرب التي تصورت أن الإرهاب يمكن أن يكون سلاحاً لها أو صديقاً يرعى ما قدمته له، لو تعلموا من دروس الماضي لتذكروا أن من يربي الثعابين لابد أن يدرك أنه سيكون أول ضحاياها.

لو استمعوا لندائنا منذ البداية بأن الإرهابي واحد وإن استخدم رايات متعددة وأسماء مختلفة، لكان الموقف مختلفاً، لكنهم راهنوا على أن هناك ما يمكن أن يقولوا عنه إنه «إرهاب معتدل» بينما كانوا يصنعون عصابات لا تعرف ديناً ولا وطناً.

وكانوا يثبتون أنهم مثل هذه الجماعات التي تدعي الإسلام زوراً وبهتاناً.. يسيرون على الطريق نفسه، ويرتكبون الأخطاء نفسها، ويتوقعون من العرب أن يدفعوا الثمن، وألا يتعلموا من دروس التاريخ، أو يدافعوا عن وجودهم وعن مستقبلهم ضد هذا التحالف بين إرهاب منحط يجمع الإخوان والدواعش، ويضعهم في خدمة قوى إقليمية تمد نفوذها على الأرض العربية، وقوى عالمية تتصارع أو تتفق على حساب العرب.

أكتب هذه الكلمات وأنا أعايش ذكرى مرور ستين عاماً على الحدث العظيم الذي غيّر مجرى التاريخ، حين انسحب آخر جندي من جنود العدوان الثلاثي على مصر من مدينة بورسعيد الباسلة في 23 ديسمبر 1956.

لو كانت الأمة بخير، لكان الاحتفال بهذا اليوم عيداً يتم الاحتفال به في كل أرض عربية، فهو اليوم الذي كتبت فيه مصر ـ ومعها الشعب العربي بأكمله ـ صفحة خالدة في تاريخ البشرية كلها.

في مثل هذا اليوم ـ وقبل ستين عاماً ـ سطرت مصر والشعوب العربية شهادة وفاة آخر الإمبراطوريات الاستعمارية القديمة وانفتحت أبواب الاستقلال أمام العرب، كما انفتحت أمام شعوب أفريقيا والعالم الثالث كله.

لم نكن أقوى من قوى الاستعمار، لكننا كنا على حق، وكنا على موعد مع التاريخ. وحين قال جمال عبد الناصر من على منبر الأزهر إن مصر ستقاتل ولن نستسلم، كان يؤكد أن الشعوب لم تعد تقبل احتلالاً لأراضيها، أو استغلالاً لثرواتها.

وكان يعلن أن العروبة هي قدر مصر، وأن مصر لن تتخلى عن عروبتها، وأنها لن تترك مصير العرب في يد علماء يرفعون ـ زوراً وبهتاناً ـ شعارات إسلامية، ولن يترك هذا المصير في يد قوى إقليمية غير عربية «إيرانية أو تركية أو إسرائيلية أو حتى إثيوبية»، تحاصر العرب وتجعلهم رهينة لدى قوى الهيمنة العالمية.

بعد ستين عاماً من حرب السويس، نجد أنفسنا في موقف مشابه، يريدون أن يقرروا مصير المنطقة في غياب العرب، ويستخدمون كل القوى المعادية للعروبة لتحقيق هدفهم، تتحالف القوى الإقليمية غير العربية مع القوى الكبرى لفرض الهيمنة على المنطقة، يستخدمون عصابات الإرهاب الذي كان قبل ستين عاماً إخوانياً فقط، أصبح الآن إخوانياً وداعشياً، وإن كان الطريق واحداً، والعمالة واحدة.

قبل ستين عاماً غيّرنا وجه التاريخ وليس أمامنا الآن إلا أن نستعيد روح المقاومة، وأن نقاتل الإرهاب الأسود، والتآمر لتغييب العرب. وليس أمامنا إلا أن ننتصر.

Email