ماذا لو استمعوا لزايد الخير وحكيم العرب؟!

ت + ت - الحجم الطبيعي

أي قراءة للوضع العربي الراهن تكشف عن الخسائر الهائلة التي لحقت بالعرب منذ بدأ الفصل الجديد من مخطط تفكيك الوطن العربي وإعادة رسم خرائطه، الذي بدأ وضعه موضع التطبيق بالغزو الأمريكي للعراق، والبدء بتدمير هذا البلد العربي وإغراقه في الحروب الطائفية والمذهبية، وتسليم مصيره لإيران التي شاركت في تنفيذ المخطط منذ بدايته، ووضعت نفسها رهن إشارة «الشيطان الأكبر» الأمريكي كما كانت تصنعه أدواتها الإعلامية، بينما الشراكة قائمة لتدمير العراق ولمد النفوذ في المنطقة وعلى مدى سنوات قليلة كانت الفوضى التي أسمتها إدارة بوش «الفوضى الخلاقة» تمتد لتدمر سوريا، ولتحيل ليبيا إلى موطن لعصابات الإرهاب ولتطلق «الدواعش» ليستكملوا مخطط التدمير والفوضى، ولتحاول الاستيلاء على مصر عن طريق حكم عصابة «الإخوان» الذي أسقطه شعب مصر وجيشها في 30 يونيو، ولتمهد الطريق أمام إيران لتحاول تطويق الخليج العربي بالتواجد في اليمن وإغراقه في الحروب الأهلية، ومحاولة السيطرة على باب المندب لتهديد أمن مصر والعالم العربي.

وأي قراءة للمستقبل القريب تكشف عن تحديات هائلة في ظل تقارب روسي - أمريكي في التعامل مع شؤون المنطقة، مع تسلم ترامب حكم أمريكا. وفي ظل ضعف الموقف الأوروبي الذي يواجه تحديات تفكك اتحاد دولة وانكفائها على أزماتها الداخلية. وفي ظل فقدان التوازن في القوى بين دول المنطقة لغير صالح العرب.

وسط كل هذه الأوضاع الصعبة والتحديات الهائلة، يتساءل المرء: هل كان يمكن تجنب ذلك أو - على الأقل - الحد من آثاره؟! مع الاحتفال بالعيد الخامس والأربعين لقيام دولة الإمارات، واستعادة ذكرى الآباء المؤسسين بقيادة الشيخ زايد رحمه الله، يثور في ذهني السؤال: ماذا لو استمع العرب لمبادرة زايد التي قدمها في اللحظة الأخيرة قبل كارثة غزو العراق لإنقاذ الموقف، والتي كانت تقضي بخروج صدام وتأمينه مع عائلته وإتاحة الفرصة للخبراء الدوليين لكشف زيف المزاعم الأمريكية عن وجود أسلحة نووية بالعراق، التي اتخذها بوش الابن مبرراً لتدمير العراق؟! ماذا لو أخذت هذه المبادرة فرصتها للنقاش أمام القمة، بدلاً من التسرع في اتخاذ القرارات التي فتحت الباب أمام الغزو الأمريكي؟!

بالتأكيد لم تأت المبادرة من فراغ. ولا بد من أن حكيم العرب الراحل قد وجد يومها أن هناك بصيص أمل في استجابة لمبادرته وإلا ما قدمها. صحيح أن عناد صدام كان كبيراً، لكنه كان بالطبع يعرف أحوال بلاده بعد سنوات الحصار الصعب، ويعرف أنه من المستحيل أن يصمد أمام ما تم حشده من الجانب الأمريكي.

وصحيح أن قرار غزو العراق كان أساسياً في خطة اللوبي اليميني الحاكم في أمريكا في ذلك الوقت، وأن خطته كانت موضوعة من قبل 11 سبتمبر، ومن قبل وصول بوش الابن للرئاسة، لكن - على الجانب الآخر - كانت هناك مقاومة لهذا الاتجاه سواء داخل مجلس الأمن، أو داخل التحالف الغربي، وكانت فرنسا تقود اتجاهاً يرفض القرار الأمريكي بالغزو، ويشكك في دوافعه، ولا شك في أنه لو تبنى العرب مبادرة زايد، وأقنعوا صدام بها لكان الموقف الأمريكي قد ازداد انكشافاً، وكان موقف القوى المعارضة له - وخاصة من حلفائه الأوروبيين- قد ازداد قوة.. ولعلنا كنا قد منعنا الكارثة التي بدأت بتدمير العراق، ولم تتوقف آثارها حتى الآن!

رحم الله حكيم العرب الذي قدر حجم المؤامرة، وحاول إنقاذ الموقف، وغفر الله لكل من ترك الفرصة تضيع، وتضيع معها دول بحجم العراق الشقيق الذي ما زال يغرق في بحور الدماء حتى الآن، ويحاول استعادة الدولة من براثن الإرهاب والحروب الطائفية والمذهبية، والنفوذ الإيراني الذي يمتد على أرضه، متعاوناً مع كل أعداء العروبة لضرب عروبة العراق القادرة وحدها على إنقاذ الموقف وإنهاء المأساة.

نتذكر ذلك كله، ونحن على أبواب فصل جديد من أحداث المنطقة، وكل الشواهد تقول: إن هناك توافقاً بين روسيا بوتين وأمريكا ترامب على إنهاء الحرب في سوريا، والتفرغ لضرب الدواعش والميليشيات التابعة للجماعات المتطرفة والإرهابية.. فهل يستطيع العرب أن يتوحدوا حول مبادرة جديدة أو جهد متفق عليه للوصول إلى حل سياسي بين الفرقاء السوريين لإنقاذ ما تبقى من وطنهم؟ أم أن العرب سيظلون على خلافاتهم فيكونون بعيداً عن التأثير في الحل المرتقب، والتواجد لضمان وحدة سوريا المهددة، والتي تهدد معها بنقل الفوضى إلى دول الجوار؟!

موقف عربي يساعد على إنقاذ ما تبقى من سوريا، سيكون - في نفس الوقت - مدخلاً لحل عربي لقضية اليمن يمنع التمدد الإيراني، وينحاز لوحدة اليمن وعروبته.

الوقت يداهم الجميع و«سايكس - بيكو» الجديدة تداهم المنطقة ومع ذلك فلقد كان أحد دروس مبادرة زايد قبل غزو العراق، أن المحاولات ينبغي ألا تتوقف حتى آخر لحظة لإنقاذ الموقف. رحم الله حكيم العرب، وأعطى الجميع نور بصيرته وصدق عروبته وشجاعة الموقف في أصعب الظروف.

Email