إسرائيل.. من حرق ماذا وكيف؟!

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما إن اندلعت الحرائق في إسرائيل، وامتدت زمنياً وانتشرت في المكان، حتي اندلعت بالتوازي والتزامن، تفسيرات وتأويلات وتوظيفات للحدث، بعدد أطراف الصراع الصهيوني العربي وأجنداتهم. وبدت الواقعة المفاجئة وغير الاعتيادية، كاشفة لكثير مما تخفي الصدور.

من ذلك، أن بعض الفلسطينيين والعروبيين والإسلاميين، اعتبروا أن إسرائيل تتعرض لانتقام إلهي من تعدياتها على حرمات الله، وذروتها الدأب على قتل النفوس الفلسطينية وتحريقها بلا أي ذنب، وتهويد فلسطين، مع أنها أرض وقف إسلامي، وبخاصة المسجد الأقصى ورحابه الطاهرة، هبوطاً إلى درك محاولة تكميم أفواه المؤذنين في المساجد التي يذكر فيها اسم الله.

قد يقال إن هؤلاء القوم أسرفوا في تنسيب الواقعة إلى عدالة السماء، بعد أن قنطوا من قوانين أهل الأرض. غير أن هذا التصور يبقى من حقهم، وهو جزء أصيل من الثقافة أو العقيدة الإسلامية التي توقن بأن الله يمهل ولا يهمل، ولا يغفل عما يعمل الظالمون.

وفي المقابل، ثمة من تطرف على جانبي الصراع في الاعتقاد بأن الحرائق إنما تأتت عن فعل البشر. وهنا، انقسم المجتهدون إلى فريقين متضادين.. فالعاطفون على القضية الفلسطينية، ذهبوا إلى أنها من تدبير الخبث الصهيوني، وأريد إلصاقها بالفلسطينيين، استجداء للتعاطف مع إسرائيل، وتسهيلاً لتمرير مشروعاتها الاستيطانية قيد التنفيذ.

وأن القصد الأعلى من هذه الفعلة، استدعاء الغضب الدولي ضد «محرقة» عقدها الفلسطينيون بحق البشر والشجر والحجر والعمران اليهودي في إسرائيل. وليس بعد ذلك سوى اقتراف المزيد من الآثام بحق «الفلسطينيين الأشرار»، في أجواء عالمية ملائمة.

وفي المقابل، ألقى الصهاينة الأقحاح، الفعلة في حجر الفلسطينيين الذين «.. قبض على عدد منهم، وهم الآن رهن التحقيق»، وأغلب الظن أننا سنعيش بعض الوقت في مناخ هذا الاتهام، الذي تتجلي فيه خيبات كثيرة.

فإن كان الفلسطينيون قد تمكنوا من تنفيذ هذه «العملية الفدائية النوعية الجبارة»، حيث بسطوا الحرائق في وقت واحد على مساحة شاسعة وفي أماكن متفرقة، فمعني هذا أنهم أصحاب قدرات خارقة. يكفي أنهم تحسبوا لحرارة الطقس واتجاهات الرياح ووجهوهما بالكيفية التي تزيد النيران لهيباً وانتشاراً.

لكن هذا أمر عجيب حقاً. فإن كانت المعرفة بظروف الطقس مسألة هينة من خلال قراءة النشرات الجوية المتراكمة عبر فترة زمنية، فكيف عرف هؤلاء أن ظروف الطقس سوف تأتي في أيام الحرائق، زائدة في الحرارة وسرعة الرياح، على غير المتواتر والمعتاد؟!

لقد فات هؤلاء المتنطعين الصهاينة، أن الحرائق كانت من القوة، بحيث عبرت ما يسمي بالخط الأخضر، وطالت مساحات من الأراضي الفلسطينية المحتلة، فهل أهدر الفدائيون العباقرة من حساباتهم هذا الاحتمال؟، وكيف يستقيم هذا السيناريو مع اعتقاد الفلسطينيين بأن ما يحترق هو «زيتوننا وأحراشنا وبعض تراثنا الحضاري ومنازلنا في الجليل»، ولذلك هرعوا إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذا كله، حتى وإن كان تحت الاحتلال..

وبالمناسبة، فإن إطلالة هذا الاعتقاد، تنطوي على دلالة عميقة الغور، هي أن الفلسطينيين، يقرؤون الوجود الصهيوني الاستيطاني في وطنهم التاريخي، على أنه مسألة طارئة، عابرة، وليس أكثر من وقت مستقطع. وهذا يؤكد أن تخليهم عن حق العودة هو من المستحيلات.

على الرغم من إيغال الإسرائيليين في محاولة استغلال الحدث في تشويه الصورة الفلسطينية، إلا أن بعض العقلاء منهم، عالجوا الواقعة بشيء من الرشد والتروي.

ومن هؤلاء، الكاتب جيلاد أتزمون، الذي وضع عينه على ما جنته أيدي الغزاة الصهاينة، وتسبب في تقديره في الحريق «.. إنها أشجار الصنوبر التي زرع الصندوق القومي اليهودي الملايين منها، بعد أن اقتلع أشجار الزيتون، لإخفاء أنقاض القري الفلسطينية، التي أبيدت عرقياً وتاريخياً.

وهكذا زرعت أشجار تمثل فخاخاً للنيران».. هذا تفسير معقول، ويمكن تفهمه علمياً، كما يمكن ترجمته إلى أن الطبيعة الفلسطينية الأصيلة، تدافع عن هويتها.

ومن المعقول أيضاً، ما ذكرته الكاتبة عميرة هاس «ربما نتج الحريق عن قنبلة مضيئة، أطلقها حرس الحدود، وتأثرت بالرياح». والحق أنه إذا ما تأملنا في هذين التفسيرين معاً، لكانت النتيجة أن بعض قنابل الإسرائيليين الضالة، سقطت على أشجار الصنوبر سريعة الاشتعال، فتسببت في حريق، تولت الرياح تأجيجه وتوزيعه على مناطق أخرى.

وفي كل حال، تأكد في ضوء الحرائق، أن إسرائيل ليست بالكيان المعجز في الأرض، حتى إنها استصرخت الغوث من كل مكان، وأنها ما أفلتت من هذا السعير، إلا بعد أن أغيثت. حتى من الفلسطينيين أنفسهم.

Email