كان «الاتحاد» هو كلمة السر فتحققت المعجزة

ت + ت - الحجم الطبيعي

حين تعود بي الذاكرة إلى لحظات ميلاد دولة الاتحاد، أدرك حجم الإنجاز الذي تحقق على مدى خمسة وأربعين عاماً، والذي يبدو كالمعجزة، إلا أنه من صنع أجيال أخلصت للوطن، وقيادات أحسنت العمل، ودولة آمنت بالعلم والعمل، ولم يكن لطموحاتها في التقدم حد تقف عنده، أو سقف لا تتخطاه.

كنت هنا، وتابعت عن قرب لحظات ميلاد الدولة، وكيف تخطى القادة المؤسسون بزعامة زايد الخير كل العقبات التي وضعت في الطريق.

ثم كيف بدأ البناء من نقطة الصفر، فقد كان الاستعمار قد أدرك أن نهايته قد كتبت بعد معركة السويس، وفي ظل تصاعد تيار التحرر العربي. وعندما رحل بعد سنوات، كانت التركة التي أورثها لشعوب المنطقة العربية تركة ثقيلة، ومع ذلك فقد تحمل الآباء المؤسسون للدولة المسؤولية بشجاعة.

وأدركوا من البداية أن الاتحاد هو السبيل الوحيد لبناء المستقبل، وأن التضحية من أجل إقامته واجب، والحفاظ عليه فريضة، والبناء من خلاله هو القادر على تحقيق ما كان يومها يبدو كأحلام والذي نراه الآن - وبعد أقل من نصف قرن - حقيقة واقعة، في دولة أصبحت نموذجاً في التقدم والحداثة يتطلع إليها العالم كله.

ما زلت أتذكر لحظات ميلاد الاتحاد، وكيف اختلط شلال الفرح لدى الجميع مع الشعور بالمسؤولية، خاصة أن الأمة لم تكن في أفضل حالاتها بعد 1967، وأن المخاطر من أطماع القوى الإقليمية غير العربية تتزايد، وأن البناء ما زال في أول الطريق وأن التآمر عليه لن يتوقف، وحمايته من العواصف والمؤامرات والأطماع لن تكون مهمة سهلة.

أتذكر ذلك، وأشعر كم أن الأجيال الجديدة مدينة للآباء المؤسسين الذين تحملوا المسؤولية في كل هذه الظروف، وقادوا السفينة وسط العواصف وتمسكوا بالاتحاد وعملوا في سبيله وراهنوا على المستقبل، فانتصر المستقبل بهم ولهم.

كان الاختبار الأول هو اختبار الهوية، وكان القرار الذي لا قرار غيره هو العروبة ورغم عدوان إيران واحتلالها الجزر الثلاث، والضغوط التي لم تختلف من الشاة إلى الملالى، فإن القرار لم يتغير، فالاتحاد لا ينتمي إلا لخليج عربي، وهذا هو حكم التاريخ كما هو قرار المستقبل.

وكان الاختبار الثاني هو: هل نكتفي بعد أن استعدنا القرار والثروة المنهوبة، بأن نترك الآخرين يبنون لنا، أم نبني بأنفسنا ونقود عملية قهر التخلف الموروث وصنع المستقبل الموعود؟

وكان القرار الحاسم الذي أعلنه القائد المؤسس زايد بأن بناء البشر هو الأهم، وأن امتلاك أجيال جديدة على أرقى مستوى من العلم هو الثروة الحقيقية لهذا الوطن، وهكذا سخرت موارد الدولة لهذا الهدف، ووضعت كل التسهيلات لكي تمتلك الدولة هذه الثروة البشرية من أجيال تبني وتقود وتعرف طريقها إلى التقدم الذي لا يتوقف عند حد.

وكان الاختبار الثالث هو: هل تكون الإمارات دولة يحكمها الفكر المتخلف والمنغلق، أم تكون دولة تعتز بعروبتها وإسلامها الصحيح، وفي الوقت نفسه تنفتح على العالم وتنتصر للتقدم، وقد اختارت الدولة من البداية طريقها، رفضت أن تنتمي للماضي، أو تنتمي للفكر المتخلف، أو تخضع لابتزاز المتاجرين بالدين، واختارت أن يكون طريقها هو الإسلام الصحيح باعتداله وتسامحه، والعروبة التي تضم كل المواطنين تحت رايتها والانفتاح على التقدم والحداثة حتى أصبحت رمزاً لهما.

كما هي الأجيال الجديدة في دولة الاتحاد مدينة للآباء المؤسسين الذين اختاروا هذا الطريق، ورسخوا هذه المبادئ التي لولاها لما كان الحاضر كما هو الآن، وما كانت آمالنا في المستقبل الأفضل كما تؤمن أجيال تتطلع على الدوام إلى الأفضل.

وفي الوقت نفسه فإن علينا أن نقدر أن ما أنجزته الأجيال الجديدة كان مؤهلاً وأن رهان الآباء المؤسسين لم يذهب سدى، وأن ما بدأوه يتم استكماله على أفضل وجه، وأن خلفاء زايد وراشد يقودون المسيرة بالروح نفسها، وباليقين والانحياز للعروبة والتقدم نفسه وبالإيمان بخليج عربي ينتصر على التحديات، وينحاز للتقدم، ويحارب الإرهاب، ويرفض محاولات الفتنة المذهبية التي تثيرها جماعات التطرف، ويرفض أيضاً محاولات إيران لمد نفوذها أو لاستمرار احتلالها الجزر الإماراتية، واستمرار سعيها لتهديد أمن المنطقة.

احتفال الإمارات باليوم الوطني هذا العام يكتسب المزيد من الأهمية والخصوصية، إنه احتفال يجري وسط تحديات هائلة وعالم يموج بالتغييرات الهائلة، ومنطقة تشتعل بالصراعات، ومع ذلك تبقى الإمارات نقطة ضوء تشع بالأمل، وتقدم نموذجاً للوحدة والتقدم لعالم عربي يتعرض لمحنة لن يستطيع تخطيها إلا بوحدة الصف والعمل المشترك والإيمان بأن العروبة هي الحل، وأن العلم والحداثة هي المستقبل.

تحية لأرواح الآباء المؤسسين للدولة وكل التقدير لمن يقودون المسيرة على الطريق نفسه الذي جعل من الإمارات نموذجاً يحتذى للتقدم، وعنواناً لدولة ترفض التطرف، وتقاتل الإرهاب، وتنتمي للعصر، كما تنتمي للعروبة وتتمسك بصحيح الإسلام.

كل التهنئة للشعب العربي الشقيق في الإمارات بيومه الوطني، وكل التقدير لمن جعلوا من الإمارات نموذجاً للتقدم وعنواناً لما يستطيع العرب أن ينجزوه، إذا امتلكوا الرؤية الواضحة والقيادة الصالحة.

كل عام والإمارات تسير على طريق الخير، وكل عام والخير يقود الإمارات إلى تحقيق الأفضل لها وللعرب جميعاً.

Email