مليون تحية لك محمد بن راشد

ت + ت - الحجم الطبيعي

أسباب عدة تدفعني للكتابة عن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ومشروع مؤسسته التنويرية العربية الوطنية، ليس بينها والله التملق أو المجاملة.

فقد عايشت سموه منذ كان ولياً للعهد لإمارة دبي أواسط التسعينيات، وشهدت نشاطه المتقد وفكره السابق العصر من موقعي كصحفي،آنذاك في الإمارات. أعجبت به حينها وزاد إعجابي وتقديري له على مر السنوات بعد أن غادرت الإمارات العام 1998.

ذاك كان أحد الأسباب وأولها، السبب الثاني والمباشر مشروعه المعرفي «تحدي القراءة العربي» الذي رعى حفل توزيع جوائزه على الفائزين أخيراً. وهو أضخم وأهم تظاهرة ثقافية علمية وطنية عربية، حيث شاركت فيه 30 ألف مدرسة تقريباً من 21 دولة حول العالم في الدورة الأولى، وحرصت وزارات التربية والتعليم في هذه الدول على التعاون التام لدعم أهداف التحدي وتيسير إجراءاته.

كما أقبل أكثر من 60 ألف معلم شغوفين بالقراءة على المشاركة كتربويين وأشرفوا على المتسابقين وهم يقرأون ويلخصون الكتب فيما يقارب 14 مليون دفتر تلخيص خلال العام الماضي، كما بلغ عدد المحكمين 48 محكماً معتمداً، إضافة لمشاركة 3000 متطوع، أسهموا جميعاً بإنجاح المشروع في مراحله الثلاث الأولى.

لقد كانت كلمة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد ، في حفل توزيع الجوائز على 18 فائزاً بمثابة دستور نهضوي للأمة التي تكالب عليها الأعداء في هذا الظلام الذي خيّم على عقولها وعقلائها، فيما الفجر بداخلها شعّ نوره ذات تاريخ على العالم. نور أمة «اقرأ».

وهو ما أكد عليه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في كلمته بقوله: «تحدي القراءة العربي هو رسالة من الإمارات بأن سلاح العرب كان وسيبقى المعرفة والعلم والفكر المنفتح.

وأن العالم العربي اليوم لا يعيش أزمة قراءة ومعرفة بقدر ما يعيش أزمة حوافز وبيئة إيجابية وعمل مشترك يتعاون فيه المسؤولون والتربويون وأولياء الأمور على تشجيع أطفالنا وطلابنا على استنهاض عزيمتهم وتوسيع مداركهم والإقبال على القراءة والمعرفة بشغف». مؤكداً أن المشروع: "هو رسالة بأنه بإمكاننا نحن العرب أن نعمل وننجز الكثير من المشاريع المشتركة".

سبب آخر دفعني للكتابة عن المشروع هو أنه يأتي حلقة في حلقات ما يقدمه سموه للإنسان العربي الذي أنهكته الحروب وباعدت بينه وبين العلم والتعلم كغذاء روحي. فقد سبق أن أطلقت مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم مشروع «ترجم» وهو برنامج يهدف إلى إثراء المكتبة العربية بأفضل ما قدّمه الفكر العالمي من أعمال في مجالات شتّى عبر ترجمة أعمال أجنبية إلى العربية، ويسعى أيضاً إلى إظهار الوجه الحضاري للأمة، عبر ترجمة الإبداعات العربية إلى لغات العالم.

أما السبب الشخصي فهو أن المدرسة التي فازت بالمرتبة الأولى، أعني مدرسة طلائع الأمل في نابلس، لا تبعد سوى كيلومترات قليلة عن مدرستي الأولى التي تلقيت فيها تعليمي الابتدائي.

كانت المدرسة عبارة عن خيام متلاصقة محاطة بأسلاك شائكة وساحة ترابية في مخيم عسكر الذي أقامته وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا»، أولئك الذين تم تهجيرهم من يافا وحيفا واللد والرملة وعكا ليحتل بيوتهم وبياراتهم وبحرهم الصهاينة. كان التعليم وقتها خيار اللاجئين ووطنهم الأول.

ولا أزال أذكر البدلة الكاكي التي اشتراها لي أبي من سوق نابلس والشنطة التي أخاطتها لي أمي من قماش خيمة مهترئة لأحملها إلى الصف الأول الابتدائي.

مدرسة طلائع الأمل التي فازت بجائزة المليون دولار تضم صفوفاً من المرحلة الابتدائية إلى الصف الحادي عشر، ويبلغ عدد طلابها 3100 طالب شارك منهم 830 طالباً في "التحدي"، وقد حققت المدرسة الفلسطينية الفائزة جميع المعايير المعتمدة في الدليل التفسيري لفئة المدرسة ضمن تحدي القراءة العربي.

حيث كان أداؤها متميزاً على نحو استثنائي. وقد صممت المدرسة تقويماً سنوياً خاصاً بفعاليات تحدي القراءة العربي مرصوداً به الفعاليات شهرياً وأسبوعياً ويومياً وعملت المدرسة على تزويد مكتبتها بـ1220 كتاباً ليكون الكتاب في متناول أيدي جميع المشاركات في "التحدي".

وحرصت المدرسة على وجود مكتبة في كل صف دراسي لتسهيل عملية الاستعارة، علاوة عن تنظيم زيارات متتابعة لمكتبة بلدية مدينة نابلس وبمشاركة مع أولياء الأمور للتشجيع على القراءة وتنويع مصادرها، كما عملت المدرسة على تشجيع الطلبة على التبرع بمبالغ مالية رمزية بشكل أسبوعي لشراء كتب لدار الأيتام في مدينة نابلس لتشجيعهم على المشاركة في "التحدي". وإلى جانب ذلك فإن الفائزة في المركز السادس في "تحدي القراءة العربي" على مستوى فلسطين، جاءت من هذه المدرسة.

شكراً لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، كم سيذكرك التاريخ وأنت تنقش على صفحاته نبض أمة لم تعد تقرأ فابتعدت عن تاريخها ودينها.. كم توقظ هذا الضمير العربي «الغائب»!

 

Email