نصيحة للشعب المصري الشقيق

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما أصعب أن تفقد المجتمعات أمنها واستقرارها، فيصبح أهلها في شر حال، لا يهنؤون بعيش، ولا تقر لهم عين، وكأنهم في كابوس مرعب طويل، وهذا التوصيف ليس ضربا من الخيال أو المبالغة، بل هو واقع بعض المجتمعات التي ضربتها أعاصير الثورات، فخلَّفت فيها دمارا كبيرا، وشرا عظيما، فهل من معتبر؟!

أيها الشعب المصري الكريم؛ لقد أثبت الربيع العربي المشؤوم أن التيارات الثورية لا تجري إلا وراء مصالحها، ولا تتصارع إلا من أجل أن يكون لها نصيب في كعكة الحكم والسلطة، ولو بالإضرار بالشعب وهدم الوطن على من فيه، وما أنتم عندهم إلا كالوقود لمخططاتهم، وكالسُّلَّم الذي يتسلقون عليه لتحقيق مكاسب سياسية.

ولا تغتروا برفعهم الشعارات البراقة مثل الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية وحقوق الغلابة وغيرها، فطالما تغنَّى بها الانتهازيون، وطالما تاجر أصحاب المصالح بهذه الشعارات البراقة والوعود الكاذبة عبر التاريخ، فلا تجعلوا أنفسكم ألعوبة بيد الكتل الثورية تتقاذف بكم كما تشتهي.

لقد غررت التيارات الثورية بالناس في أحداث الربيع العربي، ودفعتهم لخلع أمنهم بأيديهم، وأوهمتهم أن الإصلاح يتم من خلال الثورة، وأن الثورة لا تأتي إلا بخير، فلم تأت الثورة إلا بكل شر، فارتفع الأمن، وزاد الفقر، وضعف الاقتصاد، وزادت العداوة بين الناس والأحزاب حتى وصلت إلى الهاوية.

ولولا لُطف الله عز وجل لجرت الدماء في مصر أنهاراً، ولدفع الناس الثمن خرابا ودمارا، فلو أن الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك واجه شعبه كما واجههم بشار لما تخيل أحد ماذا كانت النتيجة، ولكنْ لُطف الله عظيم، ومع ذلك فقد كانت نتائج الثورة مريرة.

ولما وصل الإخوان إلى سدة الحكم كانوا وبالاً على الشعب المصري، ولم تصمد مزاعمهم أمام الحقائق، فقد زعم مرسي أنه رئيس كل المصريين ولكنَّ الواقع كان خلاف ذلك، وعمل الإخوان على اختراق مفاصل الدولة والسيطرة عليها وإقصاء الآخرين.

وتخبطوا في سياساتهم الداخلية والخارجية، وكانت نتيجة ذلك تفاقم المشكلات، وزيادة حالات الاحتقان، وانقسام الشارع المصري على نفسه، ثم لَطَف الله بمصر فمرَّت هذه الفتنة بسلام، وقيض الله لمصر رئيسا جديدا هو عبد الفتاح السيسي، فبدأ الناس يتنفسون الصعداء، وهدأت النفوس، وعُصمت الدماء، وبدأت المشاريع الاقتصادية تستعيد عافيتها، وبدأ الاستقرار يعود من جديد.

لقد عانت مصر في السنوات الأخيرة من تحديات كبرى، فقد قامت فيها ثورة يناير، وجرى على إثرها ما جرى، ثم قامت ثورة يونيو التي رفعت شعار تصحيح ثورة يناير، والآن تحاول التيارات الثورية إشعال ثورة ثالثة، وهي ثورة فبراير، يمهدون لها من خلال أساليب عاطفية خداعة، فإلى متى يستمر مسلسل الثورات هذه؟ وما هي نتائجها وتداعياتها على الدولة وعلى الشعب؟

وإذا قامت الآن ثورة أفلا تقوم بعدها ثورة أخرى؟ فهل ستصبح حياتكم أيها المصريون ثورات في ثورات كل ثورة تهدم ما قبلها؟ فمتى ستبنون؟! ومتى ستنهض بلدكم إن كنتم في كل عام أو عامين تثورون؟! وهل ستسمحون لهؤلاء أن يحذفوا كلمة الصبر من قاموسكم؟!

إن النقص لا يخلو منه مجتمع، وإن المشكلات من طبيعة الحياة، فأخبروني عن مجتمع لا تعاني من مشكلة؟! هل تجدون؟! والتغيير إلى الأحسن أمر مطلوب.

ولكن بالطرق الصحيحة، لا بالثورات التي أثبت الواقع فسادها، وثمراتها المريرة في تضييع الأمن، وإزهاق الأرواح، وإضعاف الدول، وتعريض الشعوب للمخاطر، وإذا كنتم اليوم تعانون شيئا من الضيق لطبيعة ظروفكم فهل تضمنون ألا تعانوا بعد الثورة أضعاف ما تعانون اليوم؟!

وهل تظنون أن هؤلاء الذين يدعونكم للثورة يمتلكون مفاتيح سحرية لحل المشكلات؟! إنهم لا يملكونها، وأنتم قادرون بإذن الله على حل مشاكلكم بعقولكم وسواعدكم، بالحكمة لا التهور، وبالتآزر لا التنافر، وبالتعاون مع دولتكم لا بالثورة عليها، وبالوقوف مع مؤسساتكم لا بهدمها، وبكم ستنهض مصر إذا كنتم متآزرين مع قيادتكم، محافظين على أمنكم واستقراركم.

أيها المثقفون والإعلاميون في مصر، إن عليكم حملاً كبيرا، فكونوا على قدر المسؤولية، وتسلحوا بالثقافة الإيجابية، لتكونوا دعاة سلام لا صدام، ودعاة بناء لا هدم،.

واعلموا أن الكلمة المحرضة أشد فتكا من البندقية، فكم من كلمة حوَّلت بلدا آمنا مطمئنا إلى خراب، والكلمة المثمرة قد تطفئ نارا لا يعلم ضررها إلا الله، فاحرصوا على وطنكم، وغلِّبوا مصالحه العامة، واعلموا أن مصالح الأفراد والأحزاب لا تعلو فوق مصلحة الوطن، وأنَّ من غلَّب مصلحته اليوم ونالها فإنه سيخسر إذا مُست المصالح العامة في الغد أضعاف ما ربح بالأمس.

وأنتم أيها الشباب والشابات زهرة وطنكم، وأمل دولتكم، فكونوا مشاعل تضيء لا معاول تهدم، ولا تغتروا بالأفكار والخيالات التي يطرحها الإخوان ومن شاكلهم في مواقع التواصل وغيرها، واعلموا أن الأمن نعمة كبرى، لا يحس بها إلا من فقدها.

وأخيرا أخاطب من بقي فيه عقل من الإخوان والثوريين: اتقوا الله في مصر، واتركوا سفينتها تصل إلى درب الأمان والازدهار، ولا تجعلوها حقل تجارب لثوراتكم، ولا تتحملوا وزر دم يُسفك أو عرض يُنتهك أو أمن يضيع، واعلموا أن الحساب بين يدي الله عظيم، {ولتُسألن عما كنتم تعملون}.

 

 

Email