تراثنا على قائمة الأجندة الوطنية

ت + ت - الحجم الطبيعي

اختتم بالعاصمة أبوظبي في الأسبوع الماضي المؤتمر الخليجي الرابع للتراث غير المادي والذي يعنى بأرشفة ذلك التراث وصونه وتوظيفه. ونقصد بالتراث غير المادي القيم الأصيلة، والفنون الشعبية والحرف الشعبية والمفردات العامية والأمثال والأقوال وغيرها.

وعلى الرغم من أن المؤتمر يعنى بأرشفة التراث إلا أنه طرح هواجس كثيرة تتعلق بتوظيف هذا التراث وبإمكانية الاستفادة منه لخدمة غرضين رئيسيين أولهما: الهوية الوطنية وثانيهما التعريف الثقافي بالدولة. وعلى الرغم من التقاطع بين هذين الغرضين إلا أنه في النهاية لابد من تلاقيهما في قناة واحدة صوناً للمصلحة العليا للدولة.

وفي واقع الأمر فإن للتراث غير المادي خصوصية واضحة. فهذا التراث لم يوثق كله، الأمر الذي يجعل من بعض مفرداته عرضة للاندثار. وجود هذا التراث وتماثله أمامنا اليوم في صورة من صوره يجلب معه ذكريات الماضي وحياة الأولين ويقدم للأجيال الجديدة صورة رائعة من صور الحياة في مجتمعنا قبل الحداثة، بكل ما في تلك الحياة من معاناة ومن تعاون جميل لدفع عجلة الحياة إلى الإمام.

ولهذا تحرص الهيئات السياحية والترويجية في الدولة على إبراز هذا التراث لما له من أهمية في إبراز هوية البلد الثقافية وطابعها الخاص. ومع أهمية تضمين التراث المحلي كعنصر من عناصر الترويج للبلد إلا أنه يبدو أن ذلك الأمر يتضمن بعض التهديدات لثقافتنا وهويتنا.

فأولئك المشتغلين في حقل السياحة معظمهم من الأجانب وبعضهم ممن أمضى فقط شهوراً قليلة في دولة الإمارات، وبالتالي هم لا يعرفون ثقافة البلد أو تراثه. وعلى الرغم من أهمية التراث المحلي كعنصر من عناصر التعريف بالبلد ألا أننا لا نريد أن يظهر لدينا تجارة رائجة اسمها «الاتجار بالتراث» وتحويله إلى سلعة بيد من لا يعرف قدره.

ولكن بحكم فرص العمل الكثيرة التي يوفرها قطاع السياحة، أصبح بالتالي جزء كبير من التعريف بالبلد وتراثه يتم على يد هؤلاء الوافدين الجدد. بالإضافة إلى ذلك فقد اقتحم قطاع السياحة أناس ليس لهم علاقة بالإرشاد السياحي ولا يعرفون عادات البلد أو ثقافته أو تراثه أو تفاعل أهله مع مجتمعهم.

وها هو السائح الجديد يستقي جل معلوماته بما فيها التاريخية من أولئك المرشدين الجدد، والذين قد لا يفرقون بين ما هو تراث أصيل متوارث أباً عن جد وبين ما هو عادات وافدة وطارئة على مجتمعنا.

وقد يكون السائح صحافياً أو أكاديمياً أو رحالة يكتب عن عادات البلدان وتاريخها وثقافتها، وهنا تكمن الطامة الكبرى. ونظرة واحدة على أجندة الشركات السياحية التي تأتي سنوياً بآلاف السياح والأماكن التي تأخذهم لها والمعلومات المغلوطة التي تقدم لهم، سوف نرى الضرر الذي يلحقه أولئك الطارئون على المهنة على ثقافتنا وتراثنا بل وعلى تاريخنا أيضاً.

إن تسليع الأشياء في مجتمعنا له ثمن باهظ ندفعه نحن الآن وسوف تدفعه الأجيال القادمة أضعافاً مضاعفة. فليس كل شيء يمكن بيعه وشراءه ووضع ثمن له خاصة عندما يتعلق الموضوع بتراث الآباء وميراث الأجداد.

ولكننا بحكم متطلبات العصر الذي نعيش فيه، لا نستطيع العيش بمعزل عما يدور حولنا من متغيرات وعولمة وانفتاح، ولا نستطيع الانطلاق بكل حرية بحكم الخصوصية التي نتمتع بها والأوضاع الاجتماعية الموجودة عندنا.

ولهذا فكثيراً ما نجد أنفسنا نحاول الوصول إلى حلول وسطى تضمن لنا نوعاً من التماهي مع واقعنا الاجتماعي التقليدي وفي الوقت نفسه تضفي علينا ثوب العصرنة الجميل.

إن نظرة واحدة على مفردات تراثنا غير المادي كالرياضات التراثية الأصيلة والفنون الشعبية والقيم الاجتماعية الجميلة تجعلنا نفخر أننا حافظنا على هذا التراث من الاندثار، وحملناه من جيل إلى جيل وسعينا إلى التعريف به والترويج له بطريقة غير متخفية ومقبولة.

بل وأكثر من ذلك، فبعض مفردات تراثنا كالصقارة مثلاً، قد أصبح من التراث العالمي. ولكن هل المحافظة على هذا التراث وصونه يعني أننا روجنا له الترويج المناسب الذي يحافظ عليه كثروة ثقافية وجمالية للأجيال القادمة التي سوف تفخر به كما سوف تفخر بتلك المنجزات المادية الكبيرة؟

المطلوب من الجهات المعنية أن تلزم شركات السياحة العاملة في الدولة بإخضاع المرشدين السياحيين لديها لدورات توعية وتثقيف حول تراث وتاريخ دولة الإمارات، وتقوم بإجراء رقابة دورية عليهم، وقد تضمنت ورقتي على المؤتمر الخليجي الأسبوع الماضي في أبوظبي هذا الطلب.

Email