ابتزاز مرفوض.. ومسرحية أميركية بائسة

ت + ت - الحجم الطبيعي

بدا الأمر وكأننا أمام مسرحية رديئة من الدرجة الثالثة، الرئيس الأميركي يستخدم حق «الفيتو» ضد مشروع قانون كان أقره الكونغرس الأميركي بمجلسيه تحت عنوان «مقاضاة الدول الراعية للإرهاب»، اعتراض أوباما لم يكن بلا سبب، بل كان - كما قال البيت الأبيض - لأن القانون يعرض مصالح أميركا للخطر.

كان المتوقع أن تبدأ مشاورات بين الإدارة الأميركية وأعضاء الكونغرس حول مشروع القانون، وكان المرجح أن يتم تأجيل البت في مشروع القانون لما بعد انتهاء انتخابات الرئاسة والانتخابات التشريعية التي ترافقها.. أي إلى أوائل العام المقبل، لكن الأمور سارت كما كان مخططاً لها فيما يبدو (!!) وتم عرض مشروع القانون مرة أخرى وبعد أيام فقط من استخدام أوباما لحق «الفيتو» على الكونغرس. ودون بذل أي جهد من جانب أوباما أو أركان الإدارة الأميركية لإقناع أعضاء حزبه الديمقراطي على الأقل ليصوتوا إلى جانبه، حيث إن الأمر لا يحتاج إلا لتأييد ثلث أعضاء مجلس الشيوخ أو النواب، وهو ما كان يحدث 11 «فيتو» اتخذه الرئيس أوباما أثناء ولايته على قوانين قام بتعطيلها!!.

وهكذا رأينا نتائج التصويت العجيبة.. حيث لم يصوت إلى جانب «فيتو» أوباما في مجلس الشيوخ إلا عضو واحد مقابل 97 عضوا أيدوا صدور القانون!! ولم يصوت في مجلس النواب إلى جانب أوباما إلا 77 عضواً مقابل 348 أيدوا صدور القانون!! وهو أمر لا يعني إلا شيئاً واحداً وهو أننا أمام «فيتو» مغشوش أو مضروب، وأن التوافق كان كاملا بين الحزبين (الديمقراطي والجمهوري) وبين الإدارة برئاسة أوباما والكونغرس بمجلسيه على إصدار القانون الذي يستهدف مباشرة المملكة السعودية، والذي يترك الدول التي تصنفها الحكومة الأميركية كدولة راعية للإرهاب مثل إيران وسوريا وغيرهما، لكي يفتح الباب أمام المواطنين الأميركيين لمقاضاة أية دولة يعتبرونها «راعية للإرهاب»!!.

القانون الذي أصبح معروفاً باسم «جاستا»، كان مركوناً في أدراج الكونجرس منذ 7 سنوات، ثم عادت له الحياة فجأة في موسم الانتخابات، وطوال هذه السنوات كان يتم استغلال مسألة حجب الإدارة الأميركية لثمانية وعشرين صفحة من التقرير الخاص بأحداث 11 سبتمبر لكي يتم ترويج الادعاء بأنها تحمل إدانة للمملكة السعودية وإثباتاً على أن هناك صلة بين الإرهابيين الذين قاموا بالجريمة، وبين أفراد في السلطة بالمملكة ساهموا في الدعم والتمويل.

والغريب أن يتم تحريك مشروع القانون بعد نشر الصفحات التي كانت محظورة لتظهر البراءة الكاملة للمملكة العربية السعودية من الادعاءات الزائفة عن أي مسؤولية في أحداث سبتمبر، وليتأكد أن حجب الصفحات الثماني والعشرين كان نوعا من الضغط وإثارة الشبهات واستغلال أن معظم مرتكبي جريمة 11 سبتمبر كانوا مواطنين سعوديين ضلوا طريقهم إلى «القاعدة»، التي وجهت ضرباتها للسعودية وللعديد من الدول العربية والإسلامية، قبل أن تتوجه إلى الولايات المتحدة وتستهدف مصالحها في الخارج ثم تضرب في قلب الدولة الأعظم.

مع نشر الصفحات المحظورة من تقرير سبتمبر وظهور زيف الاتهامات التي قيل إنها تتصل بالسعودية، يأتي قانون «جاستا» ليؤكد أن المطلوب هو استمرار الابتزاز المالي والسياسي، وإبقاء العالم العربي تحت الضغط لكي يتم تمرير ما هو مخطط للمنطقة في غيبة العرب، وبالتحالف الذي لم يعد خافياً بين الولايات المتحدة، وبين القوى الإقليمية غير العربية في المنطقة!

ستقول الإدارة الأميركية إنه «موسم انتخابات» وبعده سيتم التعامل مع القانون، وربما تعديله بصورة أو بأخرى، لكن هذه أصبحت لعبة قديمة تعودنا عليها ودفعنا ثمنها، فالمرشحان للرئاسة يؤيدان القانون، والقادم للبيت الأبيض واحد من اثنين: كلينتون التي ستواصل سياسة أوباما في المنطقة، أو ترامب بحماقته التي تتصور أن أميركا كانت تحمي حلفاءها مجاناً، وعليها أن تتقاضى أجرها، دون أن يدرك أن التحالف مع أميركا كان ثمنه باهظا على الدول التي تحالفت معها، وأن بلاده هي التي استفادت، وأنها تذهب الآن إلى المجهول حين تختار التحالف مع إيران (وإسرائيل بالطبع) والعداء للعرب، وتحميل المسلمين مسؤولية جرائم جماعات نشأت وازدهرت في ظل الرعاية الأميركية.. بدءاً من الإخوان، إلى القاعدة، إلى الدواعش بمختلف اللافتات التي ترفعها!.

أسوأ ما في الأمر أن واشنطن تعرف الحقائق جيدا، وإن أحدا هناك لا يستمع لمدير وكالة المخابرات جون برينيان وهو يقول «إنه لا يوجد بلد قد يخسر من تقويض مبدأ الحصانة (بمقتضى القانون الجديد) أكثر من الولايات المتحدة نفسها».

يعرف مدير الاستخبارات الأميركي أن إصدار قانون «جاستا» ليس إلا استمراراً لمحاولات الابتزاز السياسي والمالي الذي يوجه للعالم العربي عبر المملكة السعودية، لكنه يعرف أيضا أنه سيكون هناك أكثر من «جاستا» في مختلف دول العالم، وأن بلاده ستكون الهدف الرئيسي لمعظم هذه القوانين التي ستهدف الحساب على جرائم لم تتم المحاسبة عليها حتى الآن.. بدءاً من جريمة تدمير العراق التي أورثنا – حتى الآن – مليون ضحية، وحرباً أهلية لا تتوقف، وتدميراً لدولة مركزية في المنطقة.

Email