نعمة القراءة السريعة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أذكر أنني كنت أشاهد فيلماً وثائقياً، ظهرت فيه معلمة أطفال يابانية، تقلب بسرعة خاطفة بطاقات كتب عليها كلمات كبيرة، لكي تعلم طلبة السنة الأولى أن يلمحوا الكلمة فيفهموها بدلاً من قراءتها في سرهم ببطء.

هذا الموقف ذكرني بالخطأ الفادح، الذي يرتكبه نظامنا التعليمي، حينما يقول معلم اللغة العربية للطالب: «يا فلان اقرأ النص الفلاني بصوت مسموع»، والأسوأ حينما يطالب الجميع بأن «يتبعوا» معه بوضع أصابعهم على النص كلمة كلمة، وربما يفعل ذلك كثير من الطلبة خوفاً من أي لحظة يباغتهم فيها المعلم الصارم بطلب تكملة النص شفاهة، ليكتشف من كان منهم شارد الذهن. هذه المواقف وغيرها أسهمت في تخريج ملايين العرب الذين يعانون من البطء الشديد في القراءة.

رأيت تداعيات ذلك بوضوح حينما «احتككت» في بريطانيا وأميركا بالشعوب الغربية ورأيت كيف يصلون بسرعة مذهلة إلى المعلومة المدفونة في عشرات الصفحات مقارنة بالعرب حتى بلغتهم الأصلية.

سألت أحد رواد القراءة السريعة في الوطن العربي د.جمال المُلا (الذي درب الآلاف) عن سرعة قراءة شعوبنا فقال ،إن «المواطن العربي بطيء جداً في قراءته، فهو يقرأ بمعدل 161 كلمة في الدقيقة، بينما يقرأ نظيره الغربي 250 كلمة في المدة نفسها»، غير أن «سرعة قراءة الدماغ تبدأ من 550 كلمة بالدقيقة»، ولأننا لا نقرأ بسرعة تناسب قدرات الدماغ فهذا ما يرفع نسبة السرحان أو الشرود الذهني لدى الإنسان أثناء قراءته البطيئة، الأمر الذي يجعل معدل استيعابه ينخفض، فحالنا وحال أدمغتنا مثل من لديه أحدث جهاز تكنولوجي في العالم، لكنه لا يعرف كيف يشغله!

والعربي بهذه السرعة يستطيع أن يقرأ كتاباً من 300 صفحة، تضم الصفحة الواحدة ثلاثمئة كلمة، في غضون 10 ساعات، بينما يلتهم الغربيون الكتاب نفسه خلال 6 ساعات فقط، هذا إذا افترضنا أن العربي يقرأ كتباً أصلاً. مشكلة كثير منا أن لديه عقدة المدرسة، فهو لا يقرأ كتاباً كبيراً أو مقالاً معمقاً، ظناً منه أنه يجب أن يقرأه من «الجلدة إلى الجلدة» كما يقال، والأمر نفسه ينطبق على المقالات والدراسات المهمة في تطوير ذاته وعلاقته وقراراته.

مشكلتنا في بطء القراءة تكمن في أننا اعتدنا على القراءة بصوت مسموع (التمتمة)، أو بتحريك الإصبع على الأسطر، كما أسلفنا، ولا نتعامل مع الكلمات على أنها رموز يمكن فهمها بلمحة، فنحن حينما ننظر إلى الشمس أو القمر أو السيارة لا نلفظها، لأننا لم نعود أدمغتنا على ذلك، ولذا فإن القارئ السريع هو من يمسح السطر مسحاً سريعاً بناظريه، من دون لفظ الكلمات حتى ولو في سره، لأن القراءة الصامتة لا تختلف عن القراءة الجهرية فكلاهما يؤخر. وعن تجربة شخصية أؤكد أن العقل سوف يوقف القارئ فوراً عند الكلمات المهمة أو المبهمة، مثلما يحدث معنا حينما نلمح اسماً شبيهاً لعائلتنا أو لصديقنا في كشوف الناجحين أو في الصحف أو في الشارع.

ولحسن الحظ وجد العلماء أننا حينما نقرأ بسرعة يرتفع معدل استيعابنا بنسبة كبيرة! هذا ما أخبرني به د. جمال الملا، الذي أنصح وبشدة حضور دوراته ودورات زميلة المميز د.يوسف الخضر من الكويت فهما رائدا القراءة السريعة في الوطن العربي.

ولمن يتردد في حضور دورات أو في تصديق وجود القراءة السريعة أصلاً أود التوضيح بأن هناك فارقاً بين الأدب وتحديداً الشعر والروايات وبين الكتب المعلوماتية الأخرى، فالفئة الأولى يصعب استخدام القراءة السريعة معها ،لأن الأصل فيها متعة تأمل النص المنحوت نحتاً بطريقة إبداعية.

Email