الإرهاب واحد.. والأصل هم «الإخوان»

ت + ت - الحجم الطبيعي

أمران مهمان ينبغي الالتفات إليهما جيداً وسط موجة الأحداث الإرهابية المنحطة، التي يقوم بها «الدواعش» في أوروبا ويحاولون تصديرها لبقية دول العالم، متوهمين أنهم بذلك سوف يخلقون صراعاً عالمياً بين الأديان، وأنهم بذلك سوف يفلتون من مصيرهم المحتوم، الذي لاقاه أمثالهم من الخوارج والإرهابيين على مدى التاريخ.

الأمر الأول الذي ينبغي الالتفات إليه جيدا، هو أنه رغم كل ما يفعله الدواعش، وما يرتكبونه من جرائم بشعة في محاولة إثبات الحضور في أوروبا وغيرها فإن العالم العربي ثم الإسلامي سيبقيان هما الهدف الأساسي لإجرام «الدواعش» ومخططاتهم الجنونية.

لقد انشقت «داعش» عن «القاعدة»، وكان الخلاف الأساسي بين الجماعتين الإرهابيتين هو أن «القاعدة» تريد أن تنتشر من خلال المجموعات التي تنتمي إليها وتعتنق أفكارها في كل أنحاء العالم، دون أن تبني لنفسها دولة أو إمارة، حتى لا تكون هدفاً ثابتاً يسهل استهدافه.

أما «داعش» فقد انطلقت من فكرة أن تنشئ دولة لتكون مركز استقطاب لكل الجماعات الإرهابية، ولتستغل حلم «الخلافة» لدى شباب حائر أو مغيب أو مضلل، لكي تنشر دعوتها المسمومة لديهم، خاصة بعد أن استطاعت بسرعة فائقة أن تستولي على مساحات واسعة في سوريا والعراق، معتمدة على سلوك متوحش لنشر الرعب بين سكان هذه المناطق وتصديرها لغيرها، وعلى دعم مشبوه من قوى دولية وإقليمية رأت في «داعش» سلاحاً يمكن استخدامه في الصراع على النفوذ في المنطقة، وتعويض سقوط حكم «الإخوان» في مصر الذي كان - بالنسبة لهم - كارثة أصابت مخططاتهم للسيطرة على المنطقة.

الآن.. ومع اشتداد الحملة الدولية لضرب «الدواعش» في سوريا والعراق، تلجأ الجماعة الإرهابية لتشديد ضرباتها في أوروبا لتخفيف الضغط على مركز «الخلافة» المزعومة في سوريا، وتأجيل النهاية لحين ترتيب أوضاعها، لكن يبقى أن أوروبا لا تصلح لتنفيذ الفكرة الأساسية للاستحواذ على أرض تكون مقراً لـ«الخلافة» المزعومة. ولهذا يبقى العالمان العربي والإسلامي هما الهدف، ولعل ما رأينا من قبل في شبه جزيرة سيناء، ما نراه اليوم في ليبيا يمثلان نموذجاً لهذه المحاولات التي يجب علينا الانتباه إليها، حتى لا تتكرر مأساة «الرقة» التي روج البعض أنها ستكون عاصمة «الخلافة»، التي ستحكم العالم، بينما تحولت إلى عنوان للدمار والوحشية والخروج على الدين ومبادئه التي تبشر بالمحبة والمساواة بين البشر أجمعين.

الأمر الثاني الذي ينبغي الالتفات إليه جيداً.. هو ضرورة حسم الأمر تماماً مع محاولات استغلال الجرائم الوحشية التي يرتكبها «الدواعش» للترويج مرة أخرى بأن هناك «تأسلم معتدل» يمكن التعامل معه، وهي المحاولات التي جعلت أميركا وقوى دولية وإقليمية وعربية تقف وراء جماعة «الإخوان» وهي تستولى على حكم مصر، وتساندها بعد أن أسقطها شعب مصر، وجيشها الوطني بعد أن انكشفت الحقائق وسقطت الأقنعة، وأدرك الجميع أنه لا يوجد على الإطلاق «إرهاب معتدل»!!.

منذ بدايتها ادعت جماعة «الإخوان» الاعتدال!! ومع ذلك رأيناها لا تكتفي بقتل المخالفين لآرائها من الجماعات والأحزاب الأخرى، بل إنها لجأت لاغتيال أعضاء في جهازها السري حين اختلفوا مع قياداتهم، كما حدث عندما أرسلوا علبة من «حلوى المولد النبوي» إلى أحد زعمائهم لتنفجر فيه مع أسرته في الأربعينيات من القرن الماضي، حين أصبحت الاغتيالات للسياسيين والقضاة والمخالفين في الرأي.. هي سلاح الجماعة «المعتدلة» لهداية المسلمين!!

وهذا ما فعلته الجماعة مع عبدالناصر حين رفض وصايتها على الثورة، وحين طلب منها حل الجهاز السري للاغتيالات والتفجيرات، فكان الرد محاولة اغتيال الزعيم الراحل في عام 1954، وما إن أفرج عن جماعة منهم في 1964 حتى دبروا مؤامرة 1965 التي أرادت - مع اغتيال القيادات - تدمير كل المرافق في مصر، والتي قادها سيد قطب ودفع حياته ثمناً لها.

وقد عشت سنوات طويلة بعد ذلك وأنا أتابع الإخوان وهم ينكرون صلتهم بما فعله سيد قطب، ويستنكرون أفكاره، وسمعت شخصياً من أكثر من مرشد للجماعة بدءاً من عمر التلمساني وحتى عاكف إدانتهم لما جاء به سيد قطب في كتابه الأساسي لكل جماعات الإرهاب التي خرجت من عباءة الإخوان «معالم في الطريق»، مع تكفير لكل البشر إلا «الإخوان» ومن إنكار للأوطان، ومن اختراع شرعية وهمية لسفك الدماء وتدمير الأوطان باسم الدين الحنيف.

ثم رأيت - بعد كل هذه السنوات - مرشد الإخوان محمد بديع وهو يعلن بعد استيلائهم على حكم مصر أنه «محمد بديع القطبي»، وليؤكد زعماؤهم أن ما جاء به سيد قطب لم يخرج عما جاء في كتابات حسن البنا، وأن أفكار الاثنين هي الأساس في كل أفكار الخوارج من «القاعدة» إلى «الدواعش» وإلى كل المرتكبين لأحط الجرائم باسم الدين الحنيف البريء من كل ما يفعلون.

حين كنت أتابع الجريمة الوحشية التي ارتكبها «الدواعش» بذبح الكاهن في الكنيسة الفرنسية قبل أيام، كانت تعود بي الذاكرة لحادث اختطاف الشيخ الذهبي قبل نحو أربعين عاماً من جماعة يرأسها من تربى على مبادئ «الإخوان» ولم يجد حرجاً في أن يعتبر قتل أحد كبار علماء الأزهر بعد تعذيبه بطريقة وحشية.

من قتل الشيخ الذهبي، إلى ذبح الكاهن المسيحي. الطريقة واحدة والأصل هم «الإخوان» الذين ما زلنا نجد من يحاولون إقناعنا بأن نجد لهم مكاناً في أوطان لا يؤمنون بها، وفي إطار مخططات لا تستهدف إلا مصلحة أعداء العروبة والخارجين على صحيح الإسلام.

Email