الطفل الفلسطيني الذبيح!

ت + ت - الحجم الطبيعي

»أوقفوا هذه الأرض عن الدوران، أريد أن أنزل«، تكاد تقولها وأنت ترى أن كل ما حولك يهتز أو يحترق أو يخترق الجاذبية الأخلاقية التي رسختها الديانات السماوية والأرضية.

لم يعد الإنسان اخو الإنسان بل قاتله، الحدائق أصبحت مقابر، ومراجيح الأطفال أعواد مشانق، أما السكاكين فلم تعد في المطابخ تفرم الخس والبقدونس لسلطة العشاء، أصبحت السكاكين بأيدي وحوش بشرية يجزون بها عنق رجال أبرياء ذنبهم أنهم رفضوا الانصياع لقانون الغاب الذي فرضته »داعش« في المناطق التي سيطرت عليها - أو سُلمت لها - في سوريا والعراق وليبيا.

عشنا ردحاً من العمر لم نر إنساناً يُذبح ورأينا صوراً وأساليب كنا نقرأ عنها لإنسان الغابة قبل أن يخرج من جلد الوحش إلى ثياب المدينة، صور داعشية أكثر وحشية من إنسان الغابة. صلب في ساحة المدينة ثم طعن حتى الموت وتقطيع أقدام وأيادِ، تفجير إنسان مربوط إلى شجرة بقذيفة.

وكنا نظن أن الأمر مقتصر على الدواعش ونسينا أن التطرف لا دين له ولا جنسية، يعيد الإنسان إلى اللاإنسانية ويشد البشرية بحبل من دم إلى الهلاك.

الأسبوع الماضي نشر نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي جريمة ذبح الطفل الفلسطيني عبدالله العيسى في حلب على يد إرهابيي جماعة »نورالدين الزنكي«، حيث تداول نشطاء فيديو يظهر فيه الإرهابيون وهم يتسلون بإيذاء الطفل ويسألونه عن أمنيته الأخيرة قبل قتله. ويبدو أن المجموعة كانت على دراية بمرض عبدالله بالثلاسيميا لكن ذلك لم يشفع له لديهم.

وعند سؤاله عن أمنيته الأخيرة قال: »قواص«، أي يتمنى أن يتم قتله رمياً بالرصاص بدل الذبح… فردوا عليه »لا عالذبح«، أي أنهم سوف يذبحونه، وهذا ما اقترفوه. طفل في ربيع العمر، يّذبح من الوريد إلى الوريد، بدم بارد ووسط صيحات الله أكبر. لا أحد جعل من الأمر قصة ذات شأن. فالمعارضة المعتدلة المسؤولة عن ذبحه »كتائب نور الدين زنكي«، أصدرت بياناً قالت فيه إنه »خطأ فردي«.

هكذا بكل بساطة، أخطاء الأفراد عندهم لا تنحصر في زلة لسان أو رصاصة طائشة. إنها تبدأ بالذبح من الوريد للوريد، ولطفل بالكاد أكمل العقد الأول من عمره، ووسط حشد كبير من المكبرين والمهللين. كل هذا ويقال »خطأ فردي«، وتمضي الحكاية وكأن شيئاً لم يكن، علماً أن المرصد السوري لحقوق الإنسان يوم وصف الجريمة بأنها أسوأ عملية إعدام منذ اندلاع الأحداث في سوريا العام 2011.

تهمة الطفل الذبيح أنه جاسوس. أية معلومات استخباراتية سينقلها الطفل في عصر التكنولوجيا، وأية جماعة هذه التي يشكل طفل خطراً عليها.

ذنب الطفل أنه من جيل الشتات الفلسطيني الخامس أو السادس. ربما جده كان من أولئك الذين هُجروا من حيفا أو عكا أو صفد أو يافا أو اللد أو الرملة في نكبة 1948، ولد أبوه في مخيم وولد هو في أطراف مدينة لكنه لم يصبح منها، لاجئ ابن لاجئ ابن لاجئ. لم يتمتع بحياة الأطفال. لم يلعب في حديقة وربما لم يشبع يوماً من وجبة غداء.

لقد وعدوه كما وعدوا أبيه وجده أن يحرروا فلسطين شبراً شبراً وأوصوا جده أن يحتفظ بمفتاح بيته هناك ليعيدوه إليه بعد أسبوع أو شهر. مرت ثمان وستون سنة ولم يعد بل ازداد تشتتاً وهو يتساءل مع محمود درويش: »لماذا تركت الحصان وحيداً؟ لكي يؤنس البيت، يا ولدي، فالبيوت تموت إذا غاب سكانها«.

اقحموه في صراعات لا ناقة له فيها ولا جمل. أصبح الفلسطيني محاصراً من كل الجهات.لا دولة تحميه ولا أمم متحدة تعيد له حقه بالعودة. أقاموا على أرضه »دولة« ليهود الأرض أسموها إسرائيل وشطبوا فلسطين من الخارطة ومنذ العام 2001 وهم يعدونهم بحل الدولتين فيما إسرائيل تتمدد وتقضم الأرض وتقيم المستوطنات وتأتي باليهود من شتى أنحاء العالم إليها موجات موجات.

المستوطنون في فلسطين المحتلة العام 1967 أصبحوا إسرائيل ثانية. يزرعون الأرض المسروقة، يصدرون منتجاتها إلى العالم، ويعلنون صراحة أن الأرض لهم ويفتي حاخاماتهم أن قتل الفلسطيني »حلال«. أما القدس »عاصمتهم الأبدية!« فإنهم ماضون في توسيعها بضم مستوطنة معاليه ادوميم- الأكبر في الضفة الغربية إليها.

وها هم يكشفون عن مخطط لإقامة متنزه كبير في مستوطنة »بسغات زئيف« شمالي القدس المحتلة، يمتد على مساحة 17 دونماً، وتم اختيار مقاول لتنفيذ المشروع تحت إشراف شركة »موريا« التابعة لـ »بلدية القدس«. وتقدر تكلفة هذا المشروع بحوالي 5 ملايين دولار تقدمها وزارة الإسكان الإسرائيلية و»بلدية القدس«.

ومن المتوقع بدء العمل بهذا المشروع قريباً وسيفتتح الصيف المقبل ويتضمن منطقة ترويحية ومدرجاً مسرحياً مفتوحاً، وشلال مياه وبركة وإنارة وحدائق لأعشاب برية، وبركة للأسماك والنباتات البحرية، كما ستقام في المتنزه منشآت رياضية وتماثيل فنية.

هناك المحتلون يقتلون النساء والأطفال الفلسطينيين لكن بطريقة أرحم من تلك التي ذبح فيها طفل حلب بسكين للأسف عربية! فقد بلغ عدد الأطفال الفلسطينيين الذين قتلتهم قوات الاحتلال منذ بداية العام الحالي 26 طفلاً آخرهم الطفل محيي الدين الطباخي (10 أعوام) هو ثاني طفل تقتله الرصاصات »الإسفنجية«، منذ بدأت قوات الاحتلال الإسرائيلي باستخدامها.

واستشهد الطفل الطباخي في بلدة الرام شمال القدس المحتلة، خلال مواجهات مع قوات الاحتلال، ووفق التقارير الطبية الأولية، فقد أصيب الطباخي برصاصة »إسفنجية« في الجهة اليسرى من صدره ما تسبب بنزيف داخلي وتوقف في القلب.

لن يغفر التاريخ لمرتكبي جريمة ذبح الطفل الفلسطيني في حلب ولكل من قتل إنساناً من أجل أجنبي أو من أجل كرسي من جماجم ومن خشب وغضب!!

 

Email