ما الذى يحدث فى العالم؟!.. محاولة للتفسير

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعودنا أن نسمع في كل يوم أخباراً وعودتنا وسائل الإعلام أن ننتظر في كل يوم سماع أخبار مثيرة، فإن لم تكن بطبيعتها كذلك، فعلت وسائل الإعلام كل ما في وسعها لإقناعنا بأنها مثيرة. ولكني لاحظت مؤخراً شيئاً جديداً فيما نسمعه من أخبار، وهو كثرة الأخبار غير المفهومة.

لفت نظري بقوة إلى هذه الظاهرة، خبر ذلك الحدث الفظيع الذي وقع في مدينة نيس بفرنسا منذ أيام قليلة، وراح ضحيته أكثر من ثمانين شخصاً بريئاً كانوا يحتفلون بالعيد القومى لفرنسا. الحادث فظيع بقدر ماهو غير مفهوم. فمهما قيل في تفسيره من أن سائق الشاحنة التي اجتاحت الجماهير المحتشدة، رجل مريض نفسياً أو مختل عقلياً، فإن الحادث يظل مدهشاً ومستعصياً على التفسير. فالمرضى نفسيا والمختلون عقليا موجودون دائما في كل بلد وكافة العصور، ولكنهم لا يحدثون عادة مصائب من هذا النوع.

مثل هذه الأحداث غير المفهومة كثرت بشدة في السنوات الأخيرة، وكل ما كتب أو قيل عنها في محاولة تفسيرها لا يمكن أن يشبع غليل أي شخص.

كل الكلام عن أسباب دفينة للشعور بالحقد أو الضغينة من جانب المسلمين تجاه الغربيين، أو عن أسباب أيديولوجية أو اقتصادية أو اجتماعية لنمو التعصب لدى طوائف معينة من بعض الشعوب، كلام لا يمكن أن يقبله العقل لأسباب كثيرة، بل وأستغرب بشدة أن يتكرر ذكرها من كاتب بعد آخر ويخطر لي أحياناً أن هؤلاء الكتاب يرددون فقط ما يعرفون أنه الفكرة السائدة، ومن ثم لن يلومهم أحد عليها.

ولكن الأخبار غير المفهومة أكثر من هذا، وأقدم من حادث مدينة نيس بكثير.

حادث وقوع الطائرة الروسية التي قامت من شرم الشيخ قبل ذلك بأسابيع. بل إني وكثيرين غيري، نذهب إلى حد اعتبار أحداث ما يسمى «بالربيع العربي» من هذا النوع من الأخبار غير المفهومة.

هل كان حقاً وقوع ثورة بعد أخرى في بلد عربي بعد آخر، وبهذه الدرجة من العنف، وخلال فترة قصيرة للغاية، رغم الاختلاف الشديد في ظروف هذه البلاد العربية، وفى درجة استعدادها للثورة، أو قوة أو ضعف الحكومة فيما بينها، من قبيل «العدوى» التي تنتقل من بلد لآخر، كما يقول البعض، أم أن الأمر كان مجرد صدفة، أم أن الحقيقة ليست هذه أو تلك؟.

حاولت أن أستعيد في ذهني فترة تاريخية أخرى، في تاريخ العالم أو منطقتنا العربية، كانت تتسم هي أيضا بكثرة «الأحداث غير المفهومة»، فخطر لي العشر سنوات التالية لانتهاء الحرب العالمية الثانية (45-1955) ففي هذه الفترة أيضا كتبت الأحداث التي لم نجد لها تفسيراً معقولا إلا بعد فترة من وقوعها.

توالت أحداث الاغتيالات على نحو غير معهود في التاريخ المصري، ابتداء من اغتيال رئيس الوزراء ( أحمد ماهر)، الذي نسب إلى شخص معتوه وسبب لا يقبله العقل هو إعلان مصر الحرب على ألمانيا ( عندما كان هذا شرطاً من شروط قبول الدول عضواً في الأمم المتحدة بعد انتهاء الحرب).

ثم اغتيال المسؤول عن أمن القاهرة( سليم زكي)، ثم قاض كبير (الخازندار) ثم رئيس وزراء آخر ( النقراشي) ثم توالت تفجيرات القنابل في وسط القاهرة حتى حدث حريق القاهرة في يناير 1952..الخ.

في المنطقة العربية وفى بقية أفريقيا وآسيا توالى إعلان استقلال دولة جديدة بعد أخرى من الدول التي كانت تستعمرها بريطانيا وفرنسا أو دولة أوروبية أخرى، ثم أصبحنا نستيقظ كل يوم على خبر انقلاب عسكري في بلد بعد آخر من هذه البلاد. وكانت الانقلابات تبرر عادة بالرغبة في الإصلاح والقضاء على نوع آخر من الفساد.

في هذه الفترة حدثت أيضا الحرب الكورية(50-1953)، والحرب الأهلية في اليونان (46-1949)، واستولى الشيوعيون على الحكم في الصين، واحتل الاتحاد السوفيتى دول أوروبا الشرقية، وظهرت في الولايات المتحدة ظاهرة غير مألوفة هي المكارثية (50-1957)..الخ.

نحن نعرف الآن أنه على الرغم من التفسيرات المختلفة التي قدمت لهذه الأحداث كان هناك عامل واحد حاسم وراء معظمها، وهو تغير الحجم النسبي للقوة الاقتصادية والعسكرية للدول العظمى، ومن ثم بداية وراثة الاستعمار الأميركي والسوفيتي للاستعمار البريطاني والفرنسي.

كان هذا هو العامل الأساسي وراء نجاح حركات الاستقلال ووراء الانقلابات العسكرية والثورات والحروب الصغيرة، كما أنه قد يفسر أيضا انتشار فكرة التنمية الاقتصادية والتخطيط في دول العالم الثالث، التي اقترنت أيضا بظهور عهد المعونات الاقتصادية الخارجية.

هل نحن نمر الآن ياترى بفترة مماثلة من حيث إعادة ترتيب العالم لنفس السبب، وهو تغير المركز النسبي للقوى الكبرى من حيث القوة الاقتصادية والعسكرية؟ فإذا بنا نسمع كل يوم خبراً غير مفهوم، يضاف إلى أخبار سابقة كثيرة غير مفهومة أيضا؟ طبعاً لابد أن تتغير بعض الأمور مع تغير الوقت والظروف.

هل حل «الإرهاب» محل الحروب والثورات الصغيرة؟ هل حلت «داعش» محل الانقلابات العسكرية؟ وهل حل خطر الإسلام محل الشيوعية؟ لن يتضح الأمر تماماً إلا بعد مرور فترة طويلة، ولكن هذا التفسير المحتمل يستحق بعض التفكير.

Email