30 يونيو أكبر من سقوط الإخوان

ت + ت - الحجم الطبيعي

ثلاث سنوات مرت على إطاحة مصر بحكم الإخوان الفاشي.

ومع كل يوم تتأكد أهمية الحدث العظيم، وندرك أن ما وقع كان أشبه بالمعجزة. فلم تكن مصر تواجه فقط هذه العصابة الإخوانية التي استطاعت أن تسرق ثورة يناير من شعب مصر، وأن تستولي على الحكم وتضع مصير أكبر دولة عربية في قبضتها.

وإنما كانت مصر تواجه مخططاً شيطانياً تنفذه قوى كبرى وأخرى إقليمية، كانت مصر هي «الجائزة الكبرى»؟ لهذا التآمر وكان وقوع باقي الدول العربية في الفخ المنصوب مسألة وقت، وكأن الثقة في نجاح هذا المخطط ـ بعد سقوط مصرـ قد جعلت اللعب على المكشوف. ولعل هذا كان من رحمة الله بمصر وبالعالم العربي، رغم الثمن الذي دفعناه وما زلنا ندفعه.

راهنت أميركا بكل قوتها على الإخوان وباقي الجماعات المتحالفة معها أو الخارجة من معطفها، ووضع الإخوان ـ من جانبهم ـ مستقبلهم في يد أميركا وحلفائها، ولأنهم لا يعرفون معنى الوطن، ولا يؤمنون بقدسية الانتماء لمصر والولاء لها. فقد كان سهلاً عليهم أن يبيعوا الوطن، وأن يرهنوا إرادته للعدو. ما داموا يحتفظون بالسلطة ويتوهمون أنهم سيحكمون العالم، بعد أن يستكملوا مهمة الاستيلاء على العالم العربي.

قبل أسبوعين من نهاية العام البائس الذي سقطت فيه مصر تحت حكم الإخوان، كان هناك هذا المشهد الذي لا يمكن أن ينمحي من ذاكرة مصر، حين اجتمع المعزول مرسي في استاد القاهرة مع أقطاب الجماعات الإرهابية يعلنون الجهاد ضد شعب مصر، ويبعثون برسائل التهديد لكل من يقف في طريقهم. وفي الوقت نفسه، كان مبعوثو أميركا يطرقون أبواب المرشد فوق جبل المقطم.

كان المشهدان يتكاملان في وعي شعب مصر «مشهد الإخوان وحلفائهم من جماعات الإرهاب في مهرجان التهديد والوعيد في استاد القاهرة، ومشهد الضغوط الأميركية لمساندة حكم الإخوان الإرهابي».

كان الضغط يزداد من ضياع استقلال القرار الوطني على يد جماعة خائنة تعتبر الوطن مجرد «حفنة من تراب عفن» كما قال سيد قطب، وبإشراف وتخطيط خارجي تجمع عصابات الإرهاب تحت قيادة الإخوان في قلب القاهرة ليهددوا شعب مصر، وتركت لهم الفرصة كاملة لتحويل سيناء إلى قاعدة لإرهاب مصر، ولم يزعج واشنطن مطلقاً أن ترى مبعوثي إيران يتقاطرون على القاهرة في زيارات سرية لنقل خبراتهم في تكوين الحرس الثوري وإنشاء الجيش والشرطة الخاصين بالجماعة لإحكام قبضتها على مصر! لكنهم جميعاً أثبتوا أنهم لا يعرفون مصر، ولا يقدرون قوة شعبها، ووطنية جيشها، ورسوخ دولتها. كما أثبتوا أنهم لا يقرؤون التاريخ، وإذا قرؤوا لا يفهمون، وإذا فهموا تحركوا بمنطق الإصرار على تكرار الخطأ وإهانة الحقيقة.

ربما تختلف التفاصيل كثيراً أو قليلاً، لكن ما رأيناه بعد ثورة يناير في مصر من الإخوان ومن ورائهم وأنصارهم من عصابات الإرهاب من ناحية أخرى. عرفته مصر قبل ذلك في وقائع أشهرها ما حدث بعد ثورة يوليو 1952، يومها تصدى جمال عبد الناصر لمؤامراتهم، ورفض تسليم الحكم لهم، وقاد الجيش والشعب في مواجهة حاولوا فيها اغتياله، فكانت الضربة التي قصمت ظهر الإخوان لسنوات طويلة، وكان التصدي للنفوذ الأجنبي، والإصرار على استقلال القرار المصري الذي مكن مصر من إنهاء الاحتلال واستعادة قناة السويس والانتصار على العدوان الثلاثي، وقيادة التيار القومي العربي لتحرير باقي الأرض العربية من المحيط إلى الخليج.

لم يفهموا مصر، ولم يقرؤوا كتابها على مدى التاريخ جيداً، ولهذا كرروا الخطأ، وبصورة أفدح، فكان رد الفعل الطبيعي هو 30 يونيو العظيم. رفض الشعب أن تحكمه الجهالة والتخلف والإرهاب الذي يدعي زوراً انتسابه للإسلام الحنيف، ورفضت الدولة أن تسلم نفسها لجماعة لا تعترف بالوطن، وكان جيش مصر على عهده - منذ عرفت مصر الدولة الحديثة - منحازاً للشعب ومحافظاً على استقلال الوطن.

لم يكن سقوط الإخوان في مصر إنقاذاً لها وحدها، وإنما كان علامة فاصلة في تاريخ المنطقة، صحيح أننا ما زلنا نواصل المعركة ضد الأعداء نفسهم في أنحاء كثيرة من عالمنا العربي، وصحيح أن القوى التي انهزمت في مصر ما زالت تتشبث بالوهم لتبقى، وصحيح أننا أوقفنا تمدد المخطط الذي كان قد استعد لكتابة كلمة النهاية للعالم العربي كما نعرفه قبل إنقاذ مصر؛ لكن يبقى أن إنقاذ مصر من حكم الإخوان كان نقطة حاسمة في هذه الحرب.

انكشف المخطط المعادي للعرب جميعاً، وعرفنا جميعاً كيف تحالفت جماعات الإرهاب الإخواني والداعشي ضد الأمة، كيف مارست ـ وما زالت ـ الخيانة للأوطان، والعمالة للقوى الأجنبية، وكيف اجتمع إرهاب الإخوان والدواعش مع إرهاب عملاء إيران، لتنفيذ مخططات تخريب وتدمير الدول العربية.

كان إنقاذ مصر من براثن الإرهاب الإخواني نقطة فاصلة في هذا الصراع. وهذا ما أدركته منذ اللحظة الأولى القيادة الواعية في دولة الإمارات وهي تلقي بثقلها لدعم مصر- ثورة وشعباً - التي أطاحت بإرهاب الإخوان.

ثلاث سنوات على 30 يونيو، ما زلنا نواجه المعارك وندافع عن أمننا القومي واستقرار أوطاننا. لكننا ندرك، يوماً بعد يوم، أن إنقاذ مصر من براثن الإخوان كان نقطة فاصلة في هذا الصراع لصالح مصر والعرب.

وكان طاقة نور وسط ظلام كان يخيم على الأمة العربية كلها.

Email