رهبة الخطابة في «توستماسترز»

ت + ت - الحجم الطبيعي

قبيل دخولي إلى استوديو قناة العربية، للمشاركة في فقرة على الهواء مباشرة، سألت أحد المسؤولين عن العدد المتوقع للمشاهدين، فقال: حسب تقديراتنا، فإن أربعة ملايين شخص سيشاهدونك بعد قليل.

لأول وهلة، ظن أنني أصبت برهبة الجمهور، فأكدت له بأن العكس هو الصحيح. فكلما زاد العدد ارتفعت سعادتي، لأن الرسالة ستصل لنطاق أوسع.

هذا الموقف أعادني للوراء، حيث كنت أحد قيادات قائمة الوسط الديمقراطي بجامعة الكويت، وطلب مني المشاركة في مهرجان خطابي انتخابي، حيث أصبت برهبة كبيرة، لم أتمالك فيها نفسي من شدة الرجفة والارتباك من الجمهور. ثم اكتشفت من المقربين أن أحداً لم يلاحظ ذلك، بل كانوا يثنون على الأداء!، والأهم أن هذا الموقف «كسر حاجز الخوف» إلى الأبد.

ولذا، فإن كل من يعاني من رهبة التحدث أمام الناس، ليس أمامه حل سوى تكسير قيود الخوف، بمزيد من التحدث أمامهم. وهذا ما انتبه إليه د. رالف سميدلي قبل نحو 90 عاماً، عندما قرر تأسيس منظمة «توستماسترز» العالمية، لتعليم الناس فنون الخطابة والاتصال والقيادة.

وما يميز هذه المنظمة عن الدورات التدريبية والمحاضرات النظرية، أنها تعتمد على مبدأ «التعلم بالممارسة العملية». إذ لديها منهج تعليمي معتمد، طور عبر سنوات طويلة من النقاشات والممارسات العملية التي علمت أعضاء المنظمة فنون الاتصال communication، فضلاً عن الصفات القيادية الفعالة الأخرى.

تتلخص الفكرة بانضمام الشخص إلى نادي توستماسترز في بلده، ليمارس عملياً تلك المهارات المقدمة عبر منهج عملي وممتع. ولحسن الحظ، فقد حضرت بنفسي عشرات الاجتماعات لأندية توستماسترز في الوطن العربي، وأدهشني مبدعون عرب كثر، وهم امتداد لما يربو على ربع مليون عضو منتشرين في أنديتها الموجودة في أكثر من 100 بلد.

التقيت هناك بأصدقاء كثيرين، اشتهروا بشدة خجلهم، وعدم مقدرتهم على الوقوف أمام الناس لإلقاء خاطرة قصيرة، فضلاً عن محاضرة! غير أنني فوجئت بطلاقتهم والتقدم الكبير الذي أحرزوه عندما كانوا يقدمون خطبهم بمهارة واقتدار، على منصة تقديم توستماسترز. كل ذلك كان بسبب أنهم «قرروا» تطوير أنفسهم..

ووجدوا منظمة تدرك حقيقة اختلاف قدرات الناس، فوضعت موعداً نصف شهري لالتقاء أعضاء النادي، يتم صقل مهارات العضو من خلال قيامه بعدة أدوار، منها على سبيل المثال: «الخطب الارتجالية»، التي يحدد موضوعها مدير الفقرة، وذلك لحظة خروج العضو الذي وقع عليه الاختيار المفاجئ لإلقاء كلمته.

وأخرى تسمى «بخطب الإعداد المسبق»، حيث يعد الخطيب موضوعه مسبقاً قبل إلقائه.

وتتنوع الخطب بحسب المنهج المتبع، فهناك برامج تعلم الخطب الجادة، والفكاهية، والعلمية وغيرها، بحيث يكتشف الإنسان من خلالها قدراته، ثم يخضع للجنة تحكيم من زملائه الأعضاء في النادي، حسب معايير مكتوبة. ويفاجأ زائر هذه الأندية، بالتفاوت العمري بين الحضور، لا سيما تنوع وظائف المشاركين، ومنهم أحياناً شخصيات مشهورة، لكنها تفتقر إلى المقدرة على التحدث أمام الآخرين.

ولذا، أدعو كل من له رغبة في تطوير ذاته إلى المسارعة بحضور «ولو جلسة واحدة» لأندية توستماسترز في بلده، وذلك بزيارة الموقع الدولي لمنظمة التوستماسترز (غير الربحية) toastmasters.org، أو مشاهدة لقطات فيديو يوتيوب وغيره، للاطلاع على مهارات الشباب العربي في فن الإلقاء.

أندية التوستماسترز فرصة سانحة لمن يرغب في تطوير مهارات الاتصال وفنون القيادة لديه. وزيارة إحدى فعاليات تلك الأندية، ربما تحدث تغييراً جذرياً في حياتنا، لم يكن في الحسبان.

 

Email