فلسطين في حملة الرئاسة الأميركية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو أن إسرائيل ستصبح واحدة من قضايا حملة الرئاسة الأميركية هذا العام.

ففي الأسبوع الماضي، تم تدشين حملة دعاية إلكترونية بآلاف الدولارات شنها «ائتلاف اليهود الجمهوريين» لتتولى الهجوم على لجنة كتابة برنامج الحزب الديمقراطي فيما يتعلق بإسرائيل وتسعى إلى إقناع اليهود الأميركيين وأنصار إسرائيل عموماً بأن الحزب الجمهوري هو الأقرب لحماية مصالحهم.

وأصل الحكاية أن صياغة البرنامج العام للحزب الديمقراطي لها طابع يختلف كثيراً في العام الانتخابي الحالي عن سنوات سابقة بسبب الإنجاز الذي حققه المرشح برني ساندرز. ففي الأحوال العادية، يسعى كل حزب إلى التوصل إلى صياغات نهائية لبرنامج الحزب قبل أسابيع طويلة من انعقاد المؤتمر العام الذي يتم فيه التصويت على ذلك البرنامج واعتماده. ووظيفة البرنامج العام انتخابية بحتة وهي باختصار أن يقدم للناخب صورة تؤكد تماسك الحزب ووحدته خلف مرشحه عبر تقديم صياغات مقبولة لدى القوى والتيارات المختلفة المنتمية للحزب.

لكن تقديم مثل تلك الصياغات مسألة صعبة للغاية لأن كل من هذه القوى لها مطالبها وأولوياتها التي تسعى لأن يعبر عنها البرنامج العام. لذلك عادة ما تبدأ عملية كتابة البرنامج قبل انعقاد المؤتمر بشهور، حيث يشكل رئيس الحزب لجنة لهذا الغرض تعقد جلسات استماع تحضرها قوى الحزب المختلفة التي تقدم مسودات لفقرات البرنامج. وبناء على تلك المسودات، تصوغ اللجنة البرنامج العام. وبحكم العادة أيضاً، يسعى المرشح الفائز بترشيح الحزب لأن يهيمن على عملية التحضير لمؤتمر الحزب وبرنامجه حتى يبدو كلاهما بالصورة التي تساعد على فوزه.

لكن الاختلاف الحادث هذه المرة ناتج عن الحضور القوي لحملة ساندرز حتى نهاية المرحلة التمهيدية مما يفرض وجوده على البرنامج والمؤتمر العام معاً. ففوز ساندرز في عدد كبير من الولايات معناه أن مندوبيه سيحضرون بالضرورة المؤتمر العام حتى لو لم يكن هو المرشح الفائز. ولأن وظيفة المؤتمر العام هي خلق صورة للحزب تنعكس إيجابياً على فرصه يوم الاقتراع العام، فإن للحزب مصلحة في احتواء أنصار حملة ساندرز لئلا يبدو منقسماً على نفسه.

لذلك، قررت رئيسة الحزب، ديبي واسرمان شولتز، ألا تختار وحدها أعضاء لجنة كتابة البرنامج، وعددهم 15، كما جرت العادة وإنما قامت بتوزيع ذلك العدد بحيث تختار هيلاري كلينتون، الفائزة بترشيح الحزب، ستة منهم، بينما يتولى ساندرز اختيار خمسة، وتختار رئيسة الحزب الأربعة الباقين، وذلك على أساس أن اختيار أولئك الأعضاء يجسد في ذاته مطالب كل مرشح ويعبر عن مطالب القوى والتيارات التي يمثلها. وبالفعل، اختار برني ساندرز من يعبرون عن مواقفه التقدمية بما في ذلك موقفه الداعم لحقوق الفلسطينيين.

فمن بين الخمسة الذين اختارهم، وقع اختيار ساندرز على ثلاثة من المعروف دعمهم لحقوق الفلسطينيين هم كيث أليسون، نائب الكونجرس الأسود المسلم، وكورنيل وست، الأكاديمي والمثقف الأسود الشهير، فضلاً عن جيمس زغبي، أبرز رموز الأميركيين العرب في الحزب الديمقراطي.

ثم بدأت لجنة كتابة المؤتمر العام جلساتها وبدأ الخلاف يظهر في العلن. إذ شهدت اللجنة في اجتماعها قبل أسبوعين معركة حقيقية حول صياغة الفقرة الخاصة بإسرائيل. لكن طبيعة المعركة هي التي تستحق التأمل. فعلى سبيل المثال، أصر ممثلو هيلاري كلينتون على عدم استخدام كلمة «الاحتلال» ولا كلمة «الاستيطان» على الإطلاق والاكتفاء بمجرد الإشارة إلى حل الدولتين، مع ضرورة «إدانة» الحملة العالمية، السلمية بالمناسبة، لمقاطعة إسرائيل ووصمها بالعداء للسامية.

والحقيقة أن موقف معسكر هيلاري كلينتون لافت للانتباه، ذلك لأن الإدارات الأميركية المتعاقبة، اصطلحت على استخدام كلمة «الاحتلال»، كما أشار جيمس زغبي في اجتماع اللجنة. بل أن وزارة الخارجية الأميركية، ظلت تنتقد الاستيطان، حتى في الوقت الذي كانت فيه هيلاري كلينتون نفسها وزيرة للخارجية!

الأكثر من ذلك، بدا أحد ممثلي كلينتون في لجنة كتابة البرنامج، وهو روبرت وكسلر، عضو الكونجرس السابق مصراً على اقتراح بعينه هو رسم حدود إسرائيل بحيث تضمن أغلبية يهودية لها. وهو اقتراح لافت لأنه يشير إلى تحول في موقف إسرائيل، وأنصارها، التي طالما رفضت ترسيم حدودها.

وبناء على هذا كله، بدأت دعاية الجمهوريين التي هدفت لاستغلال تلك المعركة لصالح إنقاذ فرص الحزب. فمنظمة «ائتلاف اليهود الجمهوريين» تضم الكثير من أثرياء اليهود الأميركيين اليمينيين الذين يؤيدون مواقف الليكود الإسرائيلي تحديداً دون قيد أو شرط. وهم دفعوا بالحزب الجمهوري فعلاً نحو موقف التأييد المطلق لليمين الإسرائيلي.

ولأن الكثير من الجمهوريين، بل وقياداتهم يرون أن ترشح ترامب باسم الحزب يمثل مأزقاً قد يودي بفرص الحزب ليس فقط بالنسبة لمنصب الرئاسة وإنما للاحتفاظ بالأغلبية في الكونجرس فالأرجح أن يستخدم الجمهوريون كل خلاف داخل الحزب الديمقراطي لتحسين فرص حزبهم، بما في ذلك الخلاف حول القضية الفلسطينية.

Email