الخيم الرمضانية والمجالس الشعبية

ت + ت - الحجم الطبيعي

ظاهرة الخيم الرمضانية من المظاهر الاحتفالية المجتمعية في كل مجتمعات دول الخليج العربي، بل امتد نطاقها في السنوات الأخيرة لتبرز أيضاً في بعض البلاد العربية الشقيقة. كمصر وفلسطين والأردن والعراق.

وهي ظاهرة لها جذور تاريخية تعبر عن الخصائص الاجتماعية للمجتمعات القبلية، حيث درج الأفراد والجماعات من أبناء العشائر على التجمع للتداول في كافة شؤون حياتهم.

كما أن الناس اعتادوا منذ وقت مضى، على جعل رمضان أفضل مناسبة لحسم الخلافات والمشاكل التي كانت تنشب بين القبائل، بسبب الصراعات التي كانت تحدث في تلك الفترة من الزمن. كالخلاف حول مصادر المياه وأماكن الصيد ومواسم الغوص إلى آخره من القضايا والأمور الاجتماعية.

ثم بعد ذلك أدى تدفق النفط في دول الخليج إلى إحداث تغيرات هيكلية شملت كافة جوانب الحياة، وأدت بدورها إلى تلاشي ظاهرة البداوة في شكلها العام، مما أدى بالضرورة إلى اختفاء كثير من العادات والتقاليد والأعراف المرتبطة بخصائص النظام القبلي.

لم تندثر ظاهرة المجالس الشعبية، ولكن تغيرت مظاهرها واكتسبت نسقاً حضارياً، كما أن طبيعة الموضوعات والمشكلات التي يجري التداول بشأنها، قد طرأ عليها تغيير كبير، فما عادت قضايا مصادر الدخل، وهموم المعيشة مثل الصيد ومواسم صيد اللؤلؤ ومصادر المياه تلقى أي اهتمام، لأن كل دول الخليج تجاوزت هذه الحالة، بل أصبحت وقائع تاريخية..

والمتتبع لابد أن يدرك أن تعدد المجالس الشعبية والخيم الرمضانية في هذه الأيام كان لافتاً للنظر. لأن المجالس الشعبية نشأت واستمرت كنشاط ذكوري، إلا أننا شهدنا عدة مجالس نسائية انعقدت في السنوات الماضية الأخيرة، تم فيها طرح قضايا اجتماعية جوهرية تهم المرأة والأسرة والطفل، وظواهر أخرى كالبطالة بين الخريجات، أو تفشي العنوسة. والطلاق، وقضايا الأحداث وغيرها.

ومع أهمية تلك القضايا. التي شغلت الكثيرين وتداولتها المجالس الرمضانية إلا أن القضايا السياسية والأحداث التي خلفتها «رياح الخريف العربي» مثل قضايا الإرهاب والأزمة السورية وأزمة اليمن وليبيا، والأحداث التي جرت على الساحة المصرية بعد ثورة يونيو كالإرهاب وغيره، شغلت مجالس الرجال والسيدات في المجالس الرمضانية من العام المنصرم والحالي أيضاً.

تحولت المجالس الرمضانية إلى برلمانات شعبية مفتوحة، دارت فيها حوارات هادئة وجادة في المسائل التي تهم الغالبية، كغلاء الأسعار، وقضايا الأحداث، وظواهر الطلاق، وتخلف الأولاد عن البنات في نتائج الشهادة الثانوية، وتعدد الحوادث المرورية بسبب قيادة المراهقين والتي غالباً ما تنتهي بالوفاة، ومدى خطورة استخدام الأبناء لشبكات التواصل الاجتماعي بدون رقابة صارمة من قبل الأسرة.. كلها أمور وقضايا اجتماعية متداخلة تداولتها المجالس الرمضانية سواء كانت النسائية أو الرجالية خلال الأعوام الثلاثة الماضية.

المجالس الرمضانية برزت منذ عقود، كشكل من أشكال التواصل والتقارب الاجتماعي بين أفراد أو جماعات ذات أصول قبلية أو عشائرية واحدة، تجمع بينهم روابط ومصالح مشتركة، بل وهموم ومشاكل يستفاد من المجالس في طرحها لإيجاد حلول لها. وقيمة هذه المجالس الشعبية أنها تسلط الأضواء على القضايا التي تشغل بال أبناء الوطن، إلا أن مجالس المدن والمناطق الحضرية صارت تضم أفراداً من الطيف الاجتماعي، بل في كثير منها تتاح فرص لحضور أغراب ووافدين، من الأصدقاء والجيران وزملاء العمل. حيث يتم تناول موضوعات «محلية وإقليمية أو دولية، إلا أن المجالس الرمضانية خلال العام الحالي، تميزت بزيادة أعدادها وتنوع موضوعاتها، بما يشير إلى أن المجتمع الإماراتي صار أكثر انفتاحاً على مجريات الأحداث الإقليمية والعالمية.

وفي اعتقادي أن مجتمعنا استطاع عبر التجارب والخبرات الاجتماعية المتراكمة، أن يؤسس بل ويطور تجربة المجالس والخيم الرمضانية، فأصبحت صيغة مبتكرة لمجالس شورى تستلهم مرجعيتها من الموروث الثقافي والحضاري المستمد من التراث والقيم الإسلامية السمحة، وهي تجربة نحن جميعاً مطالبون بتمكينها في أذهان وعقول أبنائنا، لارتباطها بالتراث العربي. كما أنها تجربة مجتمعية تحولت إلى برلمانات شعبية يطرح فيها العديد من القضايا التي تهم الناس.

وحتى نبقي على هذه التجارب المجتمعية الأصيلة، حبذا لو تتاح الفرصة للشباب ومن مختلف الأعمار لحضور المجالس الرمضانية، وذلك لنبقي على التواصل بين الأجيال، ولنحافظ على إقامتها حتى في الأعياد الدينية والمناسبات الوطنية.

والارتقاء بها لتصبح نموذجاً يتفرد بها مجتمع الإمارات، مع تطوير فكرة المجالس والخيم الرمضانية لما يتناسب مع كافة المراحل العمرية الشبابية. وكل عام والجميع بخير.

Email