الإرهاب الدموي الداء والدواء

ت + ت - الحجم الطبيعي

في جريمة نكراء، اقشعرت لها القلوب، تجرد توأمان إرهابيان من إنسانيتهما، وبحسب وزارة الداخلية السعودية، فإن التوأمين استدرجا والدتهما الكبيرة في السن إلى مخزن، وطعناها حتى الموت، ثم باغتا والدهما بعدة طعنات، ثم لحقا بشقيقهما وطعناه أيضاً عدة طعنات، عن طريق السواطير والسكاكين، وأكدت التحقيقات، ثبوت اعتناق التوأمين للمنهج التكفيري، وأنهما خططا للجريمة مسبقاً.

إن مثل هذه الأعمال الشاذة، التي تنتهك عظم حق الوالدين، وتنتهك عظم حرمة النفس والدم، وتنتهك عظم حرمة شهر رمضان، تبين مدى انحراف الأفكار الإرهابية عن كل القيم الإسلامية والإنسانية، والعجب ممن يتلطخ بهذه الجرائم المستنكرة، أي قلب يملك، ولقد حذر الإسلام من هذه الجرائم أشد التحذير، ورتب على ذلك أشد الوعيد، يقول النبي عليه السلام: «يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة، آخذ بناصيته، وأوداجه تشخب دماً، فيقول: يا رب، سل هذا فيم قتلني؟ حتى يدنيه من العرش»، فكيف إذا كان خصم الإنسان يوم القيامة أمه وأباه، وأخته وأخاه، ماذا عساه أن يقول؟!

إن المنهج التكفيري، منهج بغيض هدام، يضرب القيم الإسلامية، ويهدم الفطر السوية، ويسلب الإنسان الآدمية، ويمسخ العقول، ويجرئ الإنسان على أقرب الناس إليه، ولو كان أباه وأمه، دون مراعاة لحرمتهما وشيبتهما، وقد شهد التاريخ القديم والحديث، نماذج عدة من هذه الأفكار الإرهابية الوحشية، فظهر قديماً فرق إرهابية كثيرة، مثل الأزارقة، أتباع نافع بن الأزرق، الذين اعتبروا دارهم دار إسلام، ودار مخالفيهم دار كفر، وأثخنوا القتل في الناس، حتى في النساء والأطفال، واشتدت شوكتهم، وارتاع الناس منهم، إلى أن تم القضاء عليهم، كما شهد التاريخ الحديث نماذج عدة من ذلك، فشهدت تسعينيات القرن الماضي، جرائم مروعة على يد الجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر، التي أصدرت فتاوى بتكفير الشعب الجزائري المسلم، وأباحت قتل الأمهات والأخوات والبنات، وقتل الذراري، فكان الأخ منهم يذبح أخاه، والابن يذبح أمه وأباه، وكانوا يذبحون الابن أمام والديه، والأب أمام أبنائه، والزوج أمام زوجته، ويغتصبون النساء، ويذيقون من يقع تحت أيديهم صنوف العذاب، في حوادث رهيبة، لا ينساها أهل الجزائر، ولا ينساها التاريخ، إلى أن تم القضاء على هذه الفتنة، وعاد إلى الجزائر أمنها، كما كان للتنظيمات الإرهابية الأخرى دورها في تغذية هذه الأفكار الشاذة، فهذا أبو مصعب السوري، أحد كبار منظري القاعدة، يقول: «إن لم نستطع الوصول إلى الطواغيت إلا بقتل الذرية وقطع الأشجار وتدمير المنشآت، فلا بأس».

إن معركة الإرهاب معركة شاملة، تحتاج إلى جهود متكاملة، عبر العلماء والمختصين في المجالات المتعددة، وعبر الأسر والأفراد والمؤسسات والقادة والسياسيين والمثقفين والإعلاميين وغيرهم. ودور الخطاب الشرعي العلمي والوعظي مهم جداً في توعية الشباب، وتحصينهم من الأفكار المنحرفة، وكشف الشبهات العالقة في أذهانهم، وقد سلك الصحابة هذا المسلك العلاجي، فحاور ابن عباس، أهل النهروان، وتصدى لشبهاتهم بالحجة الساطعة المؤثرة، حتى رجع عدد كبير منهم إلى جادة الصواب، وكتب نجدة بن عامر، أحد رؤوس الخوارج، إلى ابن عباس كتاباً، يسأله فيه عدة أسئلة عن قتل الأطفال وغير ذلك، فكتب إليه ابن عباس كتاباً رد فيه على شبهاته، وقال: «والله لولا أن أرده عن نتن يقع فيه ما كتبت إليه»، وكم ممن اغتر بالأفكار المتطرفة، رجع إلى صوابه بالخطاب الشرعي الصحيح، قديماً وحديثاً، وكان للخطاب الشرعي الأثر الكبير في التصدي لأفكار الجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر، والتي تحدثنا عنها.

حيث ساهم هذا الخطاب في رد كثير من الشباب إلى جادة الصواب، وشكلت فتاوى العلماء، ركيزة كبرى في إطفاء الفتنة في الجزائر، بعد أن استمرت عشر سنوات، في ما سمي بالعشرية السوداء، ومن أشهر العلماء المعاصرين، الذين تصدوا للجماعات التكفيرية في كثير من محاضراته ومحاوراته ومناظراته، العلامة المحدث، محمد ناصر الدين الألباني، والذي أثمرت جهوده عن آثار إيجابية في كثير من الشباب في العالم العربي والإسلامي، وكانت سبباً في إنقاذهم من براثن الإخوان والتنظيمات الإرهابية وأفكار التطرف والتكفير.

كما ينبغي التنبيه هنا إلى أمر مهم، وهو أن من إفرازات الفكر التكفيري، ما يسمى بالعزلة الشعورية، والتي تؤدي بالشباب إلى الانفصال عن أسرهم ومجتمعهم، حتى إنهم يتجنبون الصلاة في المساجد، لأنها بزعمهم معابد جاهلية، ليصبحوا بذلك منعزلين، وقد يهربون إلى العالم الافتراضي، ويصبحون جنوداً إلكترونيين للتنظيمات الإرهابية، وفي قضية التوأمين الإرهابيين، تحدثت المصادر عن انعزالهما، وأنهما كانا يقضيان جل وقتهما في المنزل منشغلين بعدد كبير من أجهزة الحاسوب، ومثل هذه الحالات، تمثل تحدياً كبيراً، لانعزال أصحابها، وممارستهم أنشطة خفية، وقد يكونون غير معروفين للجهات الأمنية، ولا يعرف أحد بأنشطتهم، وهنا، يأتي دور الأسرة، فهي ألصق الناس بأبنائها، ولا يعرف ما يدور في المنزل سواها، فينبغي عليها رصد مثل هذه الحالات، والتعامل الأمثل معها، وعدم التغاضي عنها، وإن غياب الرقابة الأسرية أو ضعف الثقافة الواعية تجاه هذه المواقف، لها نتائج كارثية، ولذلك، فلا بد من وضع الاستراتيجيات والبرامج لرفع مستوى الأسرة، وترسيخ دورها، لتكون طرفاً واعياً فاعلاً في معركة الإرهاب، وخاصة في الأنشطة المنزلية، التي لا يطلع عليها غير الأسرة.

Email