معاً في البناء والانتماء

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما يكون وطنك مقصداً لكل طامح في أن يحقق حلمه سواء في حياة كريمة، أو أن يعيش في بيئة مواتية للإبداع قادرة على استثارته، بعيداً عن كد العيش وقسوة الحاجة، فتلك نعمة كبرى، وعندما يكون أبناء وطنك جبلوا على التسامح حين اتخذت القيادة منه مقصدا ومنهاج حياة لا يشعر معه المقيم على أرضه بتمييز قائم على الجنس أو العرق أو الدين فتلك دلالة على صحة الجسد الاجتماعي وسلامته التي تفتقدها أكبر الأمم وأكثرها حضارة ورفاهاً، وعندما يكون وطنك عاصمة للعطاء الإنساني فتلك قيمة إنسانية كبرى عزت في كثير من بقاع الأرض، وعندما تكون آمنا على حياتك ومن حولك هذه لعمري قبل وبعد كل النعم وهل بعد نعمة الأمن نعمة.

تلك حال الإمارات البهية الندية حلم الحالمين ومقصد الآملين، وتلك حال من على أرضها من مواطنيها أو ممن أقاموا بينهم سعياً لطلب العيش وتلك سنة من سنن الله أمر بها عباده، غير أن المعادلة العبقرية التي حدثت هو أنهم وقعوا أسرى في هوى الإمارات، فتحول الحال من الرغبة في كسب المال إلى الرغبة في الحياة، فالإنسان بفطرته أسير المعروف، وما يجده المقيم على أرض الإمارات جعلنا نتوقف أمام مخزون من المحبة والعرفان والتقدير والود وكل معاني الأسرة في هذا الوطن المعطاء، فكان الشعور أنه الجامع لأبنائه والمقيمين، فكانت المحبة الحقيقية التي لا يمكن أن نحول بينهم وبينها، ولم يشذ عن ذلك إلا من فسدت فطرته.

لذا كانت المبادرة الوطنية التي أطلقها الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية، بتنظيم من برنامج خليفة لتمكين الطلاب «أقدر»، تحت عنوان «عبر عن حبك للإمارات»، والتي تهدف إلى إبراز المحبة والتقدير لدولة الإمارات العربية المتحدة قيادةً وشعباً، لتكون ملتقى لمشاعر حب المواطنين والمقيمين ووفائهم لأرض العطاء.

هذه المبادرة النبيلة التي تشكل فرصة للجميع للتعبير عن حبهم وولائهم للإمارات وقيادتها وشعبها هي بلا شك حالة قائمة لا يمكن أن نصادرها أو نحرم أصحابها من التعبير عنها، هي حالة شاخصة يعبر عنها الفعل قبل القول حين نتنقل بين بلدان العالم شرقه وغربه، وما أن يذكر اسم الإمارات إلا وتثار الشجون المعبرة عن حب حقيقي ووفاء كبير وانتماء لا يقل عن انتماء أصحابه للوطن الأم، ولن أذهب أبعد من ذلك، فالوطن لا يعني مكان الميلاد فحسب لكن الوطن يعني أنك آمن على نفسك ومن حولك وأن هناك من يهمه شأنك ويستمع لحاجتك دون حاجز أو حاجب، الوطن كما الأم الرؤوم التي ترعى أولادها بحب وحنان، الوطن يعني أن لك حقوقك غير مغتصبة أو الناس أمام ميزان العدل سواء لا تمييز على أساس اللون أو الدين أو العرق، هنا تتحقق المواطنة في معانيها الحقيقية ولا تحتاج إلى أوراق ثبوتية لتأكيدها.

وفي تقديري أن هذه المبادرة الإنسانية الكريمة هي في ذاتها من أبواب الإنصاف والتسامح على أرض الإمارات، والتي تتيح فيها القيادة للمقيم التعبير عن محبته للإمارات كما المواطن، وهو جانب نفسي مهم فلا ينبغي أن نصادر مشاعر وحالة قائمة، والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى، هاتفني صديق وهو الأستاذ الذي يعمل بجامعة مرموقة يعد الالتحاق بها أمنية للكثيرين في بلد لها حظ من الرفاه الاقتصادي راغبا في العودة للعمل بالإمارات، فقلت له لكن ما أنت فيه وضع متميز، قال نعم لكن أولادي وأسرتي منذ أن غادروا الإمارات، وكأن أرواحهم قد تبدلت وكأن جزءاً منهم قد اقتطع، واسترسل قائلا أنت تعلم أني ولله الحمد قد أنعم الله علي بفضله ولا أسعى لمزيد من المال لكنها أسرتي وأولادي.

هذا غيض من فيض ما يمر بنا كل يوم، وهذه الحال يجب أن تستوقفنا كيف أسرت الإمارات من على أرضها حتى أصبحت الإقامة على أرضها هوى في النفس، وأمنية العودة لمن غادرها تظل شاخصة رغم وفرة العيش ورغده. إنها عبقرية المكان المتسامح التي يود الكثيرون أن يعبروا عنها دون أن يشكك أحد في صدق مشاعرهم. وفي تقديري أنها الفرصة المواتية لكل منا أن يغزل ثوب المحبة للإمارات، تلك المحبة التي سنكتشف في ثنايا الخطوط والتفاصيل قصصاً ومواقف تؤكد كم أنت عظيم يا وطني بعد أن ألقيت بشباك عطاءك في دنيا الناس، فأسرت العقول والقلوب التي لا يجب أن نحول بينهم وبين الإفصاح عن مكنون نفوسهم الزاخر بحبك، فكما كنا دوماً معاً في البناء فنحن كذلك في الانتماء.

Email