قراءة في واقع السعادة في الإمارات

ت + ت - الحجم الطبيعي

مفاهيم جديدة دخلت على واقعنا في دولة الإمارات وغيرت الكثير من نظرتنا إلى الحياة وما نريده ونصبو إليه، وباتت تلك المفاهيم تمثل العمود الفقري للكثير من المرتكزات التي تقوم عليها استراتيجيات وخطط الدولة المستقبلية. فبعض المفاهيم تحولت من مجرد قيم مجردة غير محسوسة إلى قيم يمكن قياسها عن طريق المؤشرات ووضع الأطر والاستراتيجيات.

أحد أهم تلك المفاهيم التي دخلت حياتنا المعاصرة هو السعادة، ولعل تعيين وزيرة مسؤولة لها يؤكد ويرسخ مدى الحيز المهم الذي باتت تشكله بالنسبة لحياتنا. فماذا تعني لنا السعادة كمواطنين؟ هل هي مفهوم مجرد أم منظور حياتي؟ ما هي أطر ومحددات السعادة بالنسبة للشخصية الإماراتية؟ وهل فعلاً نجحنا في تحويل المفاهيم النسبية إلى حقائق حياتية تغير حياتنا وحياة من حولنا؟

لم تكن الإمارات أول دولة تضع أطراً ومؤشرات لقياس قيم السعادة في المجتمع. فقد سبقتنا في هذا المجال دول عديدة في أوروبا وآسيا. ولعلنا ننطلق من حقيقة مهمة مفادها أن السعادة هي إشباع الرغبات المادية والحسية عن طريق الشعور بالرضا والتفاؤل بالمستقبل. ولعل أهم ما يميز تجربة الدولة أن السعادة والرضا أصبحا صفتين مرادفتين لباقي المفاهيم التي يقوم عليها التطور في مجتمعنا. وهكذا أصبح من يعيش على أرض هذه الدولة يشعر بنفس الإحساس، ولديه نفس التوجه.

وعلى الرغم من أن مفهوم السعادة نسبي فليس هناك سعادة كاملة، وليس هناك مفهوم واحد مجرد للسعادة، إلا أن القناعة وراحة البال والشعور بالأمن والأمان وإشباع الرغبات الحسية والمادية تشعر الإنسان في أغلب الأحيان بالسعادة، فيشعر بالرضا عن واقعه ويطمئن لمستقبله، وهذه القيم تجر معها قيماً حسية أخرى.

إذاً فالسعادة هي أن نرى الحياة جميلة ونشعر بالأمن والأمان لواقعنا ومستقبلنا. ففي القرآن الكريم جاء في الآية الكريمة «المال والبنون زينة الحياة الدنيا» صدق الله العظيم. فهذه الآية تختزل قيم السعادة المادية.

فبالمال يمكن للإنسان اقتناء كل متع الحياة التي يحتاجها. كما أن المال يوفر للإنسان الراحة النفسية لمجرد وجوده في حياته، حيث يعتبره الإنسان ذخراً لمستقبله. كما يوفر البنون الحياة الأسرية الهانئة للإنسان، حيث إن الإنسان كائن اجتماعي لا يستطيع أن يعيش دون أسرة تمنحه الشعور بالأمن والامتداد الاجتماعي والزمني.

ولكن لكي تكتمل متع الإنسان فلا بد من إشباع الرغبات الروحية وهذا ما أكدته الأديان وفلاسفة الزمان. وقد جاءت الأديان لكي تكمل متع الإنسان، حيث لا بد من إشباع الجوانب الروحية في شخصيته، وهو الأمر الذي اعتبره الإسلام، مثلاً، من نعم الدنيا.

فإحساس الإنسان بوجود قوة خفية يلجأ لها وقت الضيق كان دوماً من الأساسيات التي احتاجها الإنسان حتى قبل ظهور الأديان السماوية، وهو الأمر الذي يشعره بالرضا والسعادة. هذه المفاهيم على الرغم من بساطتها إلا أنها تخلق عند الإنسان الشعور بالرضا والأمان، ولو طبقنا كل ذلك على الشخصية الإماراتية لوجدنا المواطن الإماراتي سعيداً، لأن خطط الدولة تخلق لديه نوعاً من الرضا عن واقعه.

فهي من ناحية تلبي احتياجاته الحياتية وتتواءم مع المتغيرات الحياتية السريعة التي أصبحت الشخصية الإماراتية تعيشها اليوم، وفي نفس الوقت تخلق له البيئة المناسبة لتلبية احتياجاته الروحية.

فالشخصية الإماراتية شخصية متدينة ومحافظة، وقد راعت خطط الدولة واستراتيجياتها هذا التوجه، وتبنت جميع الخطط التي تكفل لهذه الشخصية ممارسة شعائرها الروحية في هدوء وفي بيئة توائم احتياجاتها الروحية ومتطلباتها المادية. ليس هذا فحسب، بل راعت خطط الدولة القيم المادية الأخرى التي جبلت عليها الشخصية الإماراتية من شغف بالعمل الحر وتعلق بالحياة ومتعها، وخلقت كافة الظروف التي تلبي احتياجات تلك الشخصية. فلا غرو أن تصبح الإمارات مجتمعاً ينال الرضا الإماراتي ورضا كل من أتى للعيش على هذه الأرض.

لقد سعى الفلاسفة القدماء لوضع أطر لمجتمع تتوافر للإنسان فيه كل مقومات الحياة الكريمة، وكل المتع الحسية والروحية التي تلبي احتياجاته الحياتية، وأطلقوا عليه المجتمع الفاضل. وعلى الرغم من أن ذلك المجتمع لم يوجد فعلاً إلا في عقول الفلاسفة، حيث لم توجد سلطة تعمل على بث الحياة فيه، إلا أن حلم الفلاسفة لم يذهب هباء.

ففي الإمارات اليوم تعمل سلطة رسمية على بث الروح في حلم الفلاسفة، وإثبات أن المجتمع الفاضل يمكنه أن يتحول إلى حقيقة في حال وجود حكم رشيد.

Email