الصراعات القذرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يستخدم التفكير أربعة مفاهيم أساسية لفض سيرورة المجتمع في تغيره، وفهم قواه الفاعلة وهي: الاختلاف والتناقض والتضاد والصراع.

وأما الاختلاف فهو أمر أقرب إلى طبيعة الأشياء، فهناك اختلاف أجيال، وهناك اختلاف فئات، وهناك اختلاف مصالح واختلاف أفكار واختلاف أهداف.. الخ.

وليس كل اختلاف تناقضاً، فمن الطبيعي أن تختلف عادات المدينة عن عادات القرية، ولكن لا يقود هذا الاختلاف إلى تناقض بين القرية والمدينة، وقس على ذلك الاختلاف بين الفئات المثقفة التي تشتغل بالعمل الفكري عن الفئات التي تشتغل بالعمل اليدوي.

ولكن الاختلاف حين يتحول إلى اختلاف مصالح داخل حقل اجتماعي محدد، وينعكس ذلك في سلوك لتحقيق المصالح المختلفة يتحول الاختلاف إلى تناقض. فهناك مصالح مشتركة بين العامل ورب العمل من جهة، فالأول يقدم عمله والثاني يعطيه أجرة عمله، ولكن إذا نشأت مصلحة رب العمل بأجر أقل للعامل، ونشأت لدى العامل مصلحة بأجر أكثر نشأ التناقض. ويمكن لهذا التناقض أن يُحل بحل وسط أو بقبول أحد الأطراف بما يريده الطرف الآخر، أو بتنازلات أقل أو أكثر.

لكن التناقض الذي يصل حد الاختلاف المطلق بالأهداف والحقوق دون أية قوة حل ما، فإنه يتحول إلى تضاد، فإذا تغولت سلطة ما وسلبت المجتمع حقوقه المشروعة ولم تحسب حساب المصالح العميقة للناس فإننا في هذه الحال نكون أمام تضاد.

وإن دولة تحتل أرض دولة أخرى تنجب تضاداً بين الدولتين لأننا هنا أمام اعتداء صريح على الحق. وقد لا يقود التضاد إلى مواجهة صريحة حتى لو بقي بلا حل لفترة طويلة، لاعتبارات كثيرة، منها الخطر الذي قد يترتب على المواجهة، أما إذا وصل التضاد حداً صار من المستحيل حله إلا بالقوة، تحول التضاد إلى صراع مادي ذروته الصراع المسلح. ولكنّ هناك نوعاً من الصراع يقوم على الاختلاف الزائف والتشابه الحقيقي، وإذا كان كل صراع مسلح خطراً على الحياة فهذا النمط من الصراع خطر على الحياة والتاريخ والمستقبل، هذا الصراع المسلح بين طرفين متشابهين في التأخر التاريخي والتخلف الأيديولوجي يدمر الوجود المجتمعي. إنه نوع من الصراع نسميه الصراع القذر.

فالصراع بين الميليشيات الشيعية في العراق وداعش هو من نمط الصراعات القذرة، والصراع بين الحوثيين والقاعدة صراع قذر، وقس على ذلك الصراع بين داعش والجماعة الحاكمة في دمشق.

الصراع الذي يصنع الحياة هو الصراع بين المتناقضين تاريخياً، فالحوثيون في اليمن يريدون السلطة وبالقوة المسلحة، وصالح يريد العودة إلى حكم اليمن بكل أساليبه الّلاأخلاقية، ونقيضهما قوى شعبية تؤمن بفكرة الدولة وتداول السلطة ووحدة اليمن الحر. والشعب السوري الذي ملأ الشوارع والساحات يريد دولة سورية لجميع أبنائه على أنقاض سلطة متخلفة في سلوكها وعصبيتها. هو ذَا التناقض الحقيقي الذي يؤدي إلى صراع حقيقي. الصراع الحقيقي الذي يقود إلى عالم جديد، وأنصار العالم القديم يفسدون الحياة وقد يفسدونها لأجل ليس بالقصير، ولكن يجب توطين النفس على التمسك بأهداف البشر بعالم يخرجهم من بقايا الهمجية والظلم.

Email