من حسن البنا إلى الغنوشي.. الخديعة واحدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتصور جماعة «الإخوان» أن ثمانين عاماً من الخداع والانتهازية والإرهاب والخيانة لا تكفي، لا يريد قادتها، ولا يريد من يدعمون الجماعة من الأجهزة والقوى المعادية للعروبة والإسلام الحقيقي، أن يقروا بأن كل الأقنعة قد سقطت.

وليست مصادفة أن يتحرك الغنوشي في تونس محاولاً تقديم وجه جديد للجماعة يفصل فيه فصلاً وهمياً بين الجانب الدعوي والجانب السياسي. وفي نفس الوقت تجد تحركات مماثلة في الأردن وغيرها. ثم نجد فريقاً من إخوان مصر يلوحون بالسير في نفس الطريق، ويطالبون - مقابل ذلك - بمصالحة مستحيلة مع شعب بأكمله ثار على حكمهم، وأسقط فاشيتهم، وقاسى - وما زال - من الإرهاب المنحط الذي بدأ منهم، واستمر معهم، وأخذته عنهم كل الجماعات الإرهابية على اختلاف الرايات التي ترفعها والشعارات التي تطلقها.

وليس مصادفة أن تبدأ مرة أخرى جولة من التحركات الخارجية المشبوهة لتصوير المناورات الإخوانية على أنها توجه جديد نحو الاعتدال وتصحيح المسار، وليست تكراراً لمناورات سابقة شاهدناها على مر التاريخ الأسود لهذه الجماعة، ورأينا نماذج فجة منها كلما انكشف إجرام الإخوان، كما يحدث الآن!

والحقيقة أن كل ما نراه الآن من تحركات إخوانية هو إعادة إنتاج لتاريخ قديم بدأ مع نشأة الجماعة واستمر حتى اليوم، وسيظل حتى يتم استئصال جذورها التي لا تنبت إلا مزيجاً من الإرهاب والخيانة والانتهازية والمحاولات المستمرة لتغيير الأقنعة هرباً من المصير المحتوم لكل جماعة نشأت على التطرف واحترفت الخروج على صحيح الدين، والإنكار لكل القيم الوطنية.

قصة الخداع قديمة. وعندما ارتكب الإخوان سلسلة الاغتيالات في مصر التي انتهت باغتيال النقراشي باشا رئيس الوزراء في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي، سارع حسن البنا إلى التبرؤ من القتلة وأصدر بيانه الشهير «ليسوا إخواناً.. وليسوا مسلمين».

والحقيقة أنهم كانوا رجاله، وأن الاغتيالات تمت بأوامره، وأنه كان حريصاً منذ اليوم الأول لإنشاء «الجهاز السري الخاص» الذي كان يتولى المهمات الإرهابية أن يكون الجهاز تحت سيطرته الشخصية. لكنه بعد اغتيال النقراشي أدرك أن الرد سيكون قاسياً، وعندما لم يتم اعتقاله أدرك أنه سيكون هدفاً للانتقام، وسعى بكل الوسائل للهروب من مصيره، وحاول إيصال رسالة للملك فاروق بأنه سيعود - كما كان - ليكون رجله ضد حزب الوفد، وأنه مستعد لكل الشروط التي يطلبها الملك والحكومة، لكن الملك والحكومة كانا قد استوعبا الدرس، وفهما اللعبة الإخوانية.

وهنا أتوقف عند ما رواه لي المجاهد الوطني الراحل فتحي رضوان، الذي كان على صلة بحسن البنا، وكان يتبرع للدفاع عنه في العديد من القضايا، وكان يرأس يومها حزباً صغيراً هو «الحزب الوطني الجديد».

قال لي فتحي رضوان: إن حسن البنا جاءه قبل أيام قليلة من مصرعه، ومعه بعض أعضاء الجهاز السري الخاص، ليقول له إنه قرر الفصل بين الدعوة والسياسة، وأنه سيتفرغ للدعوة، وأنه نصح أعضاء الجهاز وغيرهم ممن يريدون العمل بالسياسة أن ينضموا لحزب فتحي رضوان!

كان حسن البنا يريد أن تصل رسالته إلى من يملكون الأمر لعله ينجو من المصير الذي توقعه، لكنه نسي أن أحداً لم يعد يصدقه! وتغافل عن أن من جاء بهم معه هم أنفسهم الذين وصفهم بأنهم ليسوا إخواناً.. وليسوا مسلمين!

ألا يذكرك هذا المشهد بما يجري اليوم، نفس الادعاء بالفصل بين الدعوة والسياسة دون أن يعترفوا بأن أساس الجماعة يرتكز على الجمع بين الدعوة على طريقتهم، والسياسة بالطريقة الانتهازية التي يمارسونها بها، والإرهاب الذي هو الأصل!

أعطاهم عبدالناصر بعد ثورة يوليو فرصة المشاركة في العمل الوطني، فكان ردهم محاولة اغتياله، وعندما أفرج عن بعضهم في منتصف الستينيات «ومن بينهم سيد قطب»، كان عليه أن يواجه المؤامرة الأخطر بعد عام واحد، والتي أراد بها التنظيم الإخواني نسف كل المرافق العامة واغتيال الشخصيات العامة.

وتكرر نفس الشيء مع السادات ودفع الثمن باغتياله، ولم يتوقف الأمر بعد ثورة يناير، وبعد أن وصل الإخوان لحكم مصر بدعم أميركا وضغطها، فوجئنا بمرشد الإخوان محمد بديع يعلن على الملأ أنه «محمد بديع القطبي»، وكان ذلك يعني - بكل وضوح - أن فكر سيد قطب هو الذي يحكم الجماعة، وهو الذي يراد له «وبدعم أميركي» أن يحكم مصر والعالم العربي على أساس أنها مجتمعات جاهلية وأن الإخوان وحدهم هم المسلمون، وعلى قاعدة أنه لا مكان للوطن في فكر الجماعة، فالوطن عند سيد قطب مجرد «حفنة من تراب عفن»!

بعد أن سقطت كل الأقنعة، يريد الإخوان أن يرتدوا مرة أخرى قناع الاعتدال، وأن يتسللوا مرة أخرى إلى مجتمعات عرفت جيداً حقيقتهم، ووضعتهم حيث يستحقون في قمة منظمات الإرهاب، لا يدركون «هم ومن يساندهم» أن الأقنعة كلها قد سقطت، وأن معركتهم اليوم أصبحت مع شعوب دفعت غالياً ثمن إرهابهم، وقاست طويلاً من خيانتهم لكل العهود، ومن تآمرهم على أوطان لا يؤمنون بها، وإساءتهم لدين جاء لينشر العدل والمحابة والمساواة والخير لكل البشر.

Email