زايد.. وسيظل التاريخ شاهداً

ت + ت - الحجم الطبيعي

اثنا عشر عاماً انقضت على رحيل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، والذي تصادف ذكراه التاسع عشر من شهر رمضان المبارك..

ولا تزال دولة الإمارات والدول العربية الشقيقة تذكر الفقيد بشجن وفير، والشعور نفسه يتساوى لدى الطفل والشاب والرجل الكبير، ولدى الرجال والنساء أيضاً، فزايد رحمه الله، بنى الإنسان وعمَّر المكان، وترك في كل الإمارات بصمة لا تمحوها السنوات. سيظل التاريخ شاهداً وعلى امتداد اكثر من ثلاثين عاما قضاها(حكيم العرب) زايد الإنسانية والخير والعطاء في الحكم.

إن دولة الإمارات العربية المتحدة التي أسسها على المحبة والخير كانت وما زالت رمزا للتسامح والمودة ومد يد العون والمساعدة لجيرانها ومحيطها العربي..

وكل من هو بحاجة لمساعدتها في شتى بقاع الأرض. ولا يذكر مطلقا أن الإمارات اعتدت أو اختلفت مع جيرانها لأي سبب يذكر، سيشهد التاريخ أن زايد »طيب الله ثراه« عمل بهدوء وصمت بعيدا عن ضجيج »القيل والقال وتسليط الأضواء« وعمل على لم شمل الجميع. والفصل في حل نزاعات والاختلافات سواء كانت سياسية أو حدودية أو قبلية. ولولا تدخله فيها بحكمة وذكاء وفطنة وعفوية حباه الله سبحانه وتعالى بها.

لكادت أن تتفاقم وتتعاظم الأمور وتؤدي إلى نتائج مهلكة لا تحمد عقباها. كما سيشهد له التاريخ انه كان أول من قام بإسداء النصح لصدام حسين بأن يتوقف عن عملياته العسكرية ضد إيران بالرغم من أن بلاده في نزاع قائم معها حول الجزر الثلاث المحتلة »طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى«.

وكان زايد »طيب الله ثراه« أول من أوضح له بصراحة وتفهم مطلق خطورة غزوه لدولة الكويت الشقيقة. وهو أيضا الوحيد بين الزعماء والقادة العرب الذي عرض عليه مبادرة للتنحي عن السلطة حفاظا على وطنية العراق وعروبته وتاريخه.

ولم يكتف الشيخ زايد ببناء دولة الإمارات العربية المتحدة، والنهوض بها لتكون وطناً يضاهي أكثر الدول تقدماً، بل استطاع كرجل دولة أن يتجاوز حدود الإمارات ليصبح داعية سلام عالمي. ففي أشد المحن برز الشيخ زايد كزعيم وداعية سلام يمتد نفوذه السياسي إلى كافة أصقاع الأرض، لذا ظل على مدار ثلاثة وثلاثين عاماً من الرئاسة، يؤدي أدواراً سياسية وإنسانية على الصعيد العالمي، فيتوسط لإيقاف الحروب، ويضغط على المجتمع الدولي للتصرف في منعطفات حاسمة من تاريخنا.

وعلى صعيد العمل الخيري تحول بفطرته إلى رجل إحسان على الصعيد العالمي، فكان عطاؤه على ضوء تعاليم الدين الإسلامي، بعيداً عن التباهي والتفاخر، ولم يكن العمل الخيري أو الجود الذي عرف به الشيخ زايد مقتصراً على الإمارات، وإنما امتد إلى خارج حدودها ليصبح أعظم محسن في العالم على الإطلاق..

وكان له دور كبير في مساعدة مئات ملايين البشر. كما انطلق زايد الخير من قناعة ثابتة بأن المرأة نصف المجتمع، وأن المجتمع لا يمكن أن يصعد سلم التطور دون المشاركة الفاعلة للمرأة..

وهكذا استطاع زايد الخير أن يتخطى رواسب التفكير القبلي والعشائري، الداعي لحبس المرأة وإبقائها داخل خيمة البداوة ترعى الماشية وتربي العيال. انطلق زايد من قناعة فكرية بأن مجتمع دولة الاتحاد لا يمكن أن ينهض ونصفه معطل، وكان »طيب الله ثراه« دائما نصيرا وعونا للمرأة، هو وأم الإمارات سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك »حفظها الله«.

لم تسجل سطور ما كتب من »سير« إلا أعداداً يسيرة من الزعماء النابهين، الذين سجلت أسماؤهم في دفتر الزمن، ليكتب لها المجد والخلود، وكان الراحل المقيم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان أحد هؤلاء. مضى الرجل وبقيت سيرته العطرة تنداح عبقاً يضمخ الأجواء.

لقد انتهج القائد الراحل سياسة متوازنة ومنفتحة، حققت علاقات وصلات وثيقة مع الدول العربية ودول العالم الأخرى.. كالدعم لكثير من المشاريع التنموية في الدول العربية الشقيقة والدول الصديقة الأخرى. وقام بزيارات دولية وعربية عدة. وكانت هذه الزيارات مثمرة، انعكست آثارها على تنمية دولة الإمارات وعلاقتها مع المنطقة العربية والشعوب الأخرى.

وتمر ذكرى رحيل هذا الرجل الشامخ، الذي سبق عصره وجاء ليبشر بفكر نهضوي، انبثق من واقع مجتمع كان يعيش في براثن الفاقة، ووهاد التخلف والفقر المدقع، فاستطاع زايد الخير أن يتجاوز آراء من زعموا ألا أمل في تطوير مجتمع يفتقر إلى كل مستلزمات الحياة الضرورية، كالأرض الخصبة والماء العذب.

. إلا أن الزعيم لم يستسلم، ومضى بعزيمة لا تلين ليرسم على صفحة الرمال »خطة استراتيجية« ابتدعها من قناعته بأن كل شيء ممكن متى ما توفرت الإرادة والإصرار على تخطي أي صعاب.

ارتحل زايد الخير والعطاء في وقت كانت الأمة العربية بأسرها في أمس الحاجة إلى سياسته الحكيمة وفكره الناصح المشبع بقيم العدالة والعطاء والتسامح وحب الخير وروح التضامن والوحدة ولم الشمل. سيظل التاريخ شاهدا على إنجازات ومآثر »المؤسس الباني« رحمة الله عليه.

 

Email