الإخوان المسلمون وتجديد الدماء

ت + ت - الحجم الطبيعي

من يعرف تنظيم الإخوان المسلمين جيداً ويعرف تاريخه يعلم علم اليقين أنه تنظيم متلون، لا يقف عند شكل محدد، بل هو كالحرباء في تلونه وتشكله بحسب البيئات والظروف، فقد يظهر بأي قناع ويتكلم بأي لسان في سبيل التمدد والانتشار والوصول إلى المؤسسات والمواقع الاستراتيجية، وهو يجيز التمويه والخداع، ويمارس السرية والتكتم، لتحقيق الأهداف، كما صرح به قيادات الإخوان أنفسهم، فهذا «فتحي يكن» أحد قيادات التنظيم الدولي للإخوان وأحد مؤسسي التنظيم في لبنان يؤصِّل في بعض كتبه لمبدأ السرية والتكتم، ولمبدأ التخفي والتمويه، ولمبدأ التربية الأمنية على غرار أجهزة الأمن والاستخبارات في العالم، ليتسنى للتنظيم تنفيذ مخططاته.

وهذا «يوسف القرضاوي» الإخواني المعروف يصرح في بعض كتبه بأهمية السيطرة على المؤسسات والمواقع الاستراتيجية فيقول: «يجب على الحركة الإسلامية أن تحاول كسب المؤسسة الدينية التقليدية إلى جانبها، وأن تجعل من أهدافها الأساسية وفي خططها الرئيسية التغلغل في قلب هذه المؤسسة بأفكارها وأبنائها وغزوها من الداخل»، ويقول: «يجب على الحركة الإسلامية العمل على أن يتفرغ عدد من الكفايات في المواقع الاستراتيجية الهامة.. ولا يجوز أن يكون المال عقبة في سبيل هذه الغاية، ويمكن أن يصرف فيه من أموال الزكوات والصدقات والأوقاف والوصايا وغيرها، بل يجوز أخذ الفوائد من الأموال المودعة في البنوك الأجنبية والمحلية لتنفق في هذا الجانب».

إن هذه المقدمة تكشف لكل عاقل أن الإخوان تنظيم سري خطير يتخذ من التمويه والتلون طريقاً لغزو المواقع الاستراتيجية وإيجاد موطأ قدم له في المجتمعات، وكلما احترق له ورقة بحث عن أوراق جديدة، وصنع أقنعة خداعة، ومن وسائل الإخوان لتجديد دمائهم تصدير شخصيات جديدة لممارسة الخطاب الديني بمخرجات تناسب الوقت، وقد تكون هذه الشخصيات غير معروفة مسبقاً، ولكنها تجيد التكلم بلغة الوقت وتتميز بالمرونة، فإذا كانت لغة الوقت هي السلام والاستقرار والتسامح ونحوها جعلوها لغتهم، لينطلقوا من جديد وفي ثوب جديد، وليسعوا للمواقع الاستراتيجية ليسهلوا للإخوان عملهم ويمهدوا لهم الطريق، ولنا في التاريخ والواقع أبلغ عبرة، فقد رأينا التنظيم السري للإخوان في الإمارات يتمسح بكلمات الوسطية والوطنية ومحاربة الإرهاب والعنف وغيرها من الكلمات التي هي لغة الوقت، فلما اشتعلت عواصف الربيع العربي وسكروا بنشوة الثورات وحلموا بتصديرها للداخل؛ سقطت أقنعتهم، وافتضح أمرهم في مواقع التواصل وغيرها، وانكشفت مخططاتهم السرية للجميع.

ومن وسائل الإخوان لتجديد دمائهم اختراق مجالات عدة غير مجال الخطاب الديني لجلب اهتمام الجماهير واستقطابهم، فهذا يبرز في مجال التنمية البشرية، وهذا في مجال التخطيط الاستراتيجي، وهذا أكاديمي في مجال الاقتصاد أو السياسة أو الإعلام أو غير ذلك، ليسعوا للتغلغل في المجتمعات، وتكوين قواعد جماهيرية أو الوصول إلى مواقع استراتيجية.

ويحرص التنظيم كل الحرص على عدم كشف ارتباط هذه الشخصيات بالإخوان، ليكونوا قادرين على تحقيق أهدافهم بسهولة، وهذه السياسة الماكرة سرت حتى إلى أيمن الظواهري زعيم القاعدة الذي نشأ إخوانياً، فعندما أعلنت جبهة النصرة مبايعتها للظواهري خرج الأخير وأصدر بياناً تمنى فيه أن لو لم تكن جبهة النصرة أعلنت ارتباطها بالقاعدة، ليتسنى لها تحقيق أهدافها بمرونة أكبر في سوريا.

ومن وسائل الإخوان أيضاً لتجديد دمائهم عقد التحالفات مع التيارات الأخرى وتبادل المصالح والأدوار معها لاختراق المؤسسات الرسمية وغيرها بغية التمكين وبسط النفوذ، وهذا ما صرح به الإخوان أنفسهم، فهذا محمود عبد الحليم عضو الهيئة التأسيسية للإخوان يقول: «بالرغم من الفروق الشاسعة بين التنظيمات الإخوانية والتنظيمات الأخرى فإن التنظيمات الإخوانية لمجرد التقائها مع التنظيمات الأخرى في العمل على تحرير البلاد من الحكم القائم بها فإنها فتحت لهم صدرها».

وقد عقد الإخوان عبر تاريخهم العديد من التحالفات مع التيارات السياسية الدينية وغيرها، وأصبحوا ملتقى كثير من التنظيمات والأحزاب من صوفية وشيعية وليبرالية وغيرها، فمنهج الإخوان قائم على التكتيل والتحالف المشترك للوصول إلى السلطة أو الاستفادة منها، ومن أبرز هؤلاء الحلفاء الصوفية، فقد كان لهم دور بارز في تغذية تنظيم الإخوان منذ تاريخه، وخاصة في مراحله التأسيسية، حيث انضم كثير من أتباع الطرق الصوفية إلى جماعة الإخوان منذ بداية تأسيسها، في مصر والسودان وسوريا وغيرها، في أمثلة كثيرة لا يمكن حصرها، فهذا محمد الحامد الحموي من أبناء الطريقة النقشبندية كان أول من أسس جمعية باسم الإخوان المسلمين في سوريا ومن أوائل قيادات الإخوان السوريين، وكانت علاقته مباشرة ووطيدة مع حسن البنا، وكان جسراً للتلاقي بين الإخوان المسلمين والصوفية، وحسن البنا نفسه نشأ نشأة صوفية، واستفاد من نشأته في استقطاب كثير من الصوفية إلى حركته، واستغل نقاط الالتقاء، فهناك تيارات صوفية كبرى في العالم الإسلامي تغلو في موضوع الخلافة، وتنادي بها على حساب هدم الأوطان، ومن حلفاء الإخوان أيضاً التيارات الليبرالية التي لا تجد غضاضة في عقد التحالفات مع الإخوان وغيرهم لتحقيق المكاسب السياسية والوصول إلى مواطن النفوذ والسلطة.

وأخيراً فإن العاقل يستفيد من التجارب، ويتجنب تكرار الأخطاء، ليحفظ مجتمعه ووطنه من الدعاة المتلونين وأصحاب الأجندات المشبوهة.

Email