عقبات في طريق كلينتون إلى البيت الأبيض

ت + ت - الحجم الطبيعي

خطت هيلاري كلينتون خطوتها الأساسية نحو تحقيق هدفها «التاريخي» بأن تكون أول سيدة تحكم أميركا، حسمت ـ كما كان متوقعاً ـ المنافسة مع بيرني ساندرز لتكون مرشحة الحزب الديمقراطي في سابقة لم تحدث من قبل.

لم يكن وارداً هذه المرة أن يتكرر مع كلينتون ما وقع لها منذ ثماني سنوات، كانت يومها هي المرشحة الأساسية للحزب الذي كان قادته قد أدركوا الحاجة للتغيير فدفعوا بها إلى حلبة المنافسة وكانت كل التكهنات تقول إنها ستكون مرشحة الحزب، حتى جاءت المفاجأة من أوباما الذي دخل معها في منافسة شديدة ربحها في النهاية ليكون أول رئيس أسود للولايات المتحدة الأميركية.

لم يكن وارداً هذه المرة أن يتكرر الأمر حتى مع صعود السيناتور بيرني ساندرز الذي أدهش الجميع، قبل ثماني سنوات كانت المفاضلة في النهاية عند قادة الحزب بين بديلين يمثلان التغيير المطلوب، وكان كل من المرشحين داخل إطار «مؤسسة» الحزب حتى إن بدا أوباما أكثر ميلاً إلى الفريق الأكثر انحيازاً لسياسة أكثر ليبرالية. الموقف هذا العام يختلف، يأتي ساندرز من خارج «مؤسسة» الحزب ويطرح سياسات أقرب إلى الاشتراكية الأوروبية، ويهاجم بضراوة غياب العدالة الاجتماعية وضرورة إجراء تعديلات جذرية في نظام يظلم الفقراء وتستحوذ فيه قلة قليلة على الثروة والسلطة.

بدا الرجل كالحلم النبيل حتى في السياسة الخارجية لم تمنعه «يهوديته» من المطالبة بسياسة عادلة تجاه الفلسطينيين تنهي الانحياز الأميركي لإسرائيل، واستقطب ساندرز غالبية الشباب في حزبه ووجد بالطبع صدى عند الطبقات الفقيرة. ورغم أن استطلاعات الرأي الأولية كانت تشير إلى أنه الأقدر على هزيمة المرشح الجمهوري «حتى الآن» ترامب، إلا أن الموقف لدى قيادات الحزب الديمقراطي كان لا بد أن يكون حاسماً في الوقوف مع هيلاري كلينتون ضمن منافس يهاجم «المؤسسة» التي تقود الحزب، ويطالب بالتجديد الشامل للحزب وللدولة، ويطرح سياسات قد لا تكون أميركا مهيأة حتى الآن لتطبيقها.

لهذا لم يكن وارداً في البداية أن يتكرر مع هيلاري كلينتون ما حدث لها منذ ثماني سنوات حين خسرت المنافسة على ترشيح الحزب أمام أوباما. ضمنت كلينتون ترشيح الحزب واستطلاعات الرأي تقول إنها متقدمة على منافسها الجمهوري ترامب بفارق كبير.. لكن الوقت ما زال مبكراً على الانتخابات، والمفاجآت واردة، والمعركة لن تكون سهلة مع هذا الملياردير العنصري الذي لم يكن أحد قبل شهور يتصور أنه يمكن أن يكون له أي دور سياسي، فإذا به أحد اثنين يتنافسان على رئاسة أميركا.

المعركة لن تكون سهلة، والعقبات أمام كلينتون كثيرة.. ليس لقوة المنافس، وإنما لأسباب تتعلق بكلينتون نفسها وبتاريخها السياسي وشخصيتها المثيرة للجدل.

في المقدمة بالطبع ما يلاحق هيلاري كلينتون من اتهامات حول قضية استخدام البريد الإلكتروني الشخصي لها في أعمال خاصة بوزارة الخارجية أثناء توليها لها بما يهدد سرية المكاتبات. وكذلك ملف الهجوم الإرهابي على مقر السفير الأميركي في بنغازي. وهناك خطر أن تسفر التحقيقات التي مازالت جارية بشأن ذلك عن إدانة لها، ولعل دخول الرئيس أوباما على الخط وإعلانه تأييده لها يكون إشارة على استبعاد هذا الخطر، فالرئيس أوباما لن يغامر بهذا التأييد إلا إذا ضمن سلامة موقفها.

وهناك قضية الشباب الذي التف حول منافسها الديمقراطي ساندرز، والذي يحتاج لجهد كبير «مع باقي التيار المساند للمرشح العجوز» لكي يمنح تأييده لكلينتون، ويزيد من صعوبة الموقف أن ساندرز يصر على المضي حتى النهاية في المنافسة التي خسرها بالفعل، فهو ينظر للأمر على أنه يؤدي رسالة ويفتح أبواباً كانت مغلقة للتغيير، ويطرح أفكاراً للغد ويخلق تياراً سيكبر وينتصر في النهاية.

ولعل الوجود الكبير لممثلي ساندرز في لجنة إعداد برنامج الحزب الانتخابي يعالج هذا الأمر، إذا استجاب قادة الحزب وممثلو هيلاري للأفكار التي طرحها ساندرز بما يرضي هذه القطاعات التي أيدته، خصوصاً من الشباب.

مشكلة أخرى تواجهها كلينتون، وهي أنها بقدر حاجتها لدعم أوباما، فإن الجمهوريين سوف يستغلون ذلك في التأكيد أنها ستكون امتداداً لأوباما وسياساته، وأن الأمر ـ كما يزعمون ـ سيكون بمثابة منح أوباما ولاية ثالثة.

وأيضاً فإن شعبية زوجها بيل كلينتون تدعم موقف هيلاري. لكنها ستستغل ـ خصوصاً من جانب مرشح يملك ما يكفي ويزيد من الوقاحة ـ مثل ترامب ـ في التذكير بالفضائح الجنسية التي ارتبطت بالرئيس الأسبق، كما أنها أيضاً سوف تكون بالتأكيد موضع هجوم على حكم العائلات.

ومع ذلك، فإن شعبية أوباما التي هي الآن أكبر من شعبية أي من المرشحين، وكذلك شعبية بيل كلينتون، كفيلتان بتجاوز الهجوم على هيلاري من هذا الجانب.

وتبقى المفاجآت واردة، لكن هيلاري كلينتون ـ حتى الآن ـ هي الأقرب لكرسي الرئاسة، وهي الأجدر به بالطبع عندما يكون منافسها هو ترامب الذي يخشى بعض الزعماء الجمهوريين ألا يكون فقط سبباً في خسارة انتخابات الرئاسة، أو انتخابات الكونجرس، بل أن يكون سبباً في انهيار الحزب بأكمله.

Email