بالعلم نرتقي

ت + ت - الحجم الطبيعي

العلم هو حجر الأساس لكل نهضة، وبدونه تكون حركة الشعوب عشوائية لا ضابط ينظمها، ولا بوصلة صحيحة تحدد حركتها، ولا أساس قوي ترتكن إليه، كما أنه من الصعوبة بمكان تقييم ما يتم وتوجيهه، ذلك أن المقابل للعلم الجهل والتخبط والعشوائية والارتجال وكلها حالات لا تقيم حضارة بل تهدمها، ولا تصنع تقدماً لكنها تهدر الوقت والجهد والمقدرات، كمن يتحرك في ذات المكان إن لم يكن إلى الخلف.

من هنا كانت أهمية العلم في حياتنا باعتباره قيمة كبرى لا تنضب ولا يخشى عليها من النفاد، كما أنها طاقة متجددة مع كل فكرة جديدة تشع نوراً وهداية لصاحبها وأجيال من بعده تستفيد من فيضها، وقد يبني عليها آخرون فكراً جديداً فتحيا الفكرة في قلب فكرة جديدة، ألم يقم اختراع التصوير السينمائي على خيال الظل والتصوير الضوئي؟

وفي عصرنا لم تعد قوة الشعوب تقاس بعدد سكانها بقدر قدراتهم وخصائصهم النوعية وقدرتهم على إنتاج الفكر المبدع والابتكار العلمي، وهنا كما قال الحكماء »من بين الناس رجل بألف«، ذلك الذي استطاع أن يقدم فكرة مبتكرة غيرت وجه الحياة للناس من حوله فخلد ذكره وبقيت آثاره لأجيال وأجيال من بعدة، تلك هي القيم الحقيقية لحياة الإنسان..

وتلك هي القوة الدائمة للشعوب والضمانة الحقيقية لبقائها والداعم لقوتها، حتى وإن كانت لا تنعم بمقدرات طبيعية، غير أن القوة الفكرية لأبنائها قادرة على الحفاظ على المكانة والمكان، والتجربة اليابانية والكورية ليست عنا ببعيدة.

ولأن قيادتنا الرشيدة جعلت من الاستثمار في الإنسان أولوية قصوى، ورفاهية الفرد وإسعاده غاية، فإنها أدركت من وقت مبكر أن العلم هو الخيار الحقيقي والأوحد للتقدم والحفاظ على مكتسبات الوطن، والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى، ومنها ما أكد عليه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد خلال تكريم سموه للعلماء الإماراتيين من الشباب المتميزين، في الحفل الذي أقامته مؤسسة الإمارات لمسابقة »بالعلوم نفكر«، حين قال »إن مسؤوليتنا هي إعداد أجيالنا لزمان غير زماننا، وطموحاتنا بأن يكون لدينا علماء يسهمون في تقدم البشرية«.

ولا شك أن الدعم الدائم من القيادة الرشيدة لأفكار الشباب والدفع بها لتخرج إلى النور وتصبح واقعاً هي من أهم عوامل استنفار ما لديهم من طاقات حتى إن بدت أفكاراً في البدايات غير أن تطويرها والبناء عليها أمر مهم، وهل تعدى البث الإذاعي في بدايته أكثر من مائة ياردة ثم اليوم تدور الكلمة المسموعة الكرة الأرضية في ثوان معدودات تصحبها الصورة.

إن الدفع بالشباب إلى الصفوف المتقدمة وتحميلهم المسؤولية هو الضمانة لتتابع الأجيال عبر إعداد الصف الثاني والثالث من القيادات، لذا كان خطاب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد إلى العلماء الشباب، باعتبارهم قادة المستقبل الذين سيقودون دولة الإمارات العربية المتحدة إلى التقدم لكي تصبح واحدة من أكثر دول العالم ابتكاراً، هو إعلان وتكليف للشباب بأنه حان الوقت للقيام بدورهم في تحمل مسؤوليتهم في خدمة وطنهم.

إن برنامج »بالعلوم نفكر« يفتح آفاقاً جديدة للشباب لتعزيز قدراتهم البحثية والابتكارية، والتي لا شك تعبر عن أفكار تعبر عن جيل الشباب ذاته، وبالتالي بأيديهم تتحقق أفكارهم، وهو الدافع الأكبر ليحافظوا عليها ويستفيدوا منها.

ولاشك أن هؤلاء الشباب يمثلون قدوة لغيرهم ولنظرائهم، لأن جانباً كبير من السلوكيات تتم بالعدوى، فإن وجودهم سيمثل طاقة من التميز تضم إليها كل يوم أعضاء جددًا لتعم ثقافة الابتكار عبر حلقات متصلة وتتواصل الأجيال بعضها البعض.

ولاشك أن فتح أبواب ومجالات للأفكار البناءة يغلق عشرات الأبواب من الأفكار الهدامة، كما أن إتاحة فرص العمل الخير المثابر النافع يقطع الطريق على كل عمل شر وفتنة، هنا تتعاظم الطاقات وتعم الفائدة التي لن يقتصر خيرها على الإمارات فحسب بل، كما أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في حديثة إلى الشباب، أنها للعالم كافة، لتظل الإمارات كما هي دائماً عاصمة للعطاء الإنساني والابتكار.

إن القيادة التي وفرت الحياة الكريمة لأبنائها أتاحت لهم بذلك الفرصة للفكر والإبداع، ومن الأهمية بمكان إشاعة ثقافة الابتكار بين أبناء الوطن عبر مختلف وسائل الإعلام، وتكون برامج المخترع الصغير ضمن البرامج المقدمة للأطفال، كما يجب إلقاء الضوء على أفكارهم.

كما يجب على مؤسسات القطاع الخاص أن تتبنى أفكارهم وتدعمها باعتبارهم طرفاً مستفيداً منها. ولا يجب أن تنسى الأسرة دورها في تنمية ورعاية واكتشاف أصحاب الأفكار المبدعة من أبنائهم والدفع بهم ورعايتهم، لأننا كما بالعمل نفكر فإننا بالعمل نرتقي ونتقدم.

 

Email