بوتين وسور الصين العظيم الناري

ت + ت - الحجم الطبيعي

دأب الكرملين على البحث عن حل لمشكلة الإنترنت منذ عام 2011. وقد استشعرت السلطات القلق إزاء قدرات «تويتر» و«فيسبوك» على الحشد، عقب الربيع العربي والاحتجاجات  ضد فلاديمير بوتين في موسكو عام 2011، فأرادت التوصل إلى وسيلة لوضع شبكات التواصل الاجتماعي تحت السيطرة.

الاستراتيجية التي أتى بها الكرملين استندت إلى الترهيب وليس التكنولوجيا. وقد اعتاد الكرملين على التعامل مع التسلسل الهرمي المحدد ومع منظمات يمكن إجبارها عن طريق استهداف قادتها، واختار الضغط على الشركات بدلاً من المستخدمين.

وفي حين أدخل نظام الفترة الإنترنت عام 2012، إلا أنه ظل عرضة للاختراق وظل عدد المجسات الحكومية محدوداً، واستخدمت كل الذرائع لجذب كبريات الشركات إلى حوار خاص مع السلطات.

وخشية من التشريعات القمعية التي يجري تحديثها باستمرار هرع مسؤولو الشركات الكبيرة مثل »ياندكس« و»غوغل« إلى الكرملين لإجراء محادثات والتوصل إلى تفاهم. وفي البداية، كانت هذه الاستراتيجية فعالة جداً.

وعلى غرار ما كتبت إيرينا بروغان وأنا في كتابنا »الشبكة الحمراء: الصراع بين دكتاتوري روسيا الرقميين وثوار الإنترنت الجدد:«، لم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً من شركات الإنترنت للتخلي عن الإنترنت غير المراقب والقبول بإنترنت مراقب في روسيا. وإذ واجهت أمراً واقعاً فقد ركزت على أمور محددة«.

وبدأت هذه الطريقة بفقدان تأثيرها مع حلول خريف عام 2015. وكان هناك سببان لذلك:

أولاً، كان أكبر رهان للكرملين هو على قانون إضفاء الطابع المحلي على البيانات الذي دخل حيز التنفيذ في الأول من سبتمبر عام 2015، تحت ذريعة حماية البيانات من التجسس من قبل وكالة الأمن القومي الأميركية.

وبحسب القانون يجب أن تخزن شركات الإنترنت التي تجمع البيانات الشخصية من المستخدمين الروس بياناتها على خوادم داخل روسيا.

وكانت الأهداف الرئيسية للمبادرة هي »غوغل« و»فيسبوك« و»تويتر«. ولم يكن الهدف جعل خوادم الشركات متاحة للنظام الروسي الوطني لرقابة الإنترنت، المعروف باسم »سورم«، وإنما أيضاً جعل خوادم عمالقة الإنترنت الثلاثة تهبط بشكل فعال في روسيا.

وباختصار، أراد الكرملين دفع عمالقة الإنترنت إلى وضع تعامل فيه مثل نظيراتها المحلية، بمعنى أن تكون جاهزة لتلقي اتصال من الكرملين، والانفتاح على التعاون لإزالة وحجب المحتوى، مع اتصال الخوادم مباشرة بأجهزة الأمن ومن دون وجود طريقة لمعرفة ما الذي جرى التنصت عليه من قبل نظام »سورم«.

ثانياً، أصر المراقبون الروس على أن نفاذ نظام الترشيح الوطني لم يكن قضية بسبب العدد القليل من المستخدمين الروس الذين استخدموا أدوات الالتفاف مثل »تور«. وعلى المستوى الشخصي، آمنوا أن باستطاعتهم القضاء على »تور« في اللحظة التي يحتاجون لذلك.

وفي خريف عام 2015، تلقى هذا المفهوم لطمتين كبريين. فقد أقر معهد الأبحاث الذي تمت الاستعانة به لاختراق نظام »تور« بأنه لم يستطع القيام بذلك. ثم في نوفمبر الماضي حجبت وكالة زهاروف موقع »روتراكر. أورغ« وهو أكبر موقع إلكتروني باللغة الروسية، وفي التو فإن روسيا حلقت إلى المرتبة الثانية في مستخدمي شبكة »تور«.

وكانت فيسبوك قد أعلنت قبل عام عن دعمها لمستخدمي »تور«، وهم أناس يحاولون الوصول إليها باستخدام »تور«، وهؤلاء لن تعيقهم سياسات الشركة الأمنية. وهذا جعل من فكرة ابتزاز »الفيسبوك« باحتمال حظره وخسارة كل المستخدمين الروس أكثر بعداً.

وبحلول ربيع عام 2015، وجد الكرملين نفسه يائساً من أجل العثور على حل. وأقدمت السلطات على بعض الخطوات المضطربة، حيث أودع بعض المدونين السجن لكتابتهم مواد تنتقد الكرملين، وتم الترويج للفكرة القائلة إن من يروجون لأدوات التحايل على أجهزة الرصد سوف يتم تغريمهم مبالغ باهظة. واتجهت السلطات شرقاً لافتقارها إلى الوسائل.

وفي الثامن عشر من أبريل، نشر ألكسندر باستريكين رئيس »لجنة تحقيق روسيا«، وهي المعادل الروسي لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي، مقالاً يدعو فيه روسيا للتعلم من رقابة الصين على الإنترنت.

وعقب مرور عشرة أيام على ذلك، استضافت موسكو أول منتدى روسي صيني للأمن الإلكتروني، مع حضور مسؤولين رئيسيين من كلا البلدين. وافتتح الاجتماع زهاروف وإيغور شوغولييف مساعد بوتين المكلف بشؤون الإنترنت.

لقد كانا سعيدين على نحو بالغ الوضوح باستضافتهما لو وي، رئيس مكتب معلومات الإنترنت في الصين، وفانغ بنكسنغ، عراب »الجدار الناري« في قاعة المؤتمرات الكبرى بروسيا اليوم، وهي أكبر وكالة حكومية للدعاية في روسيا.

الرسالة التي نقلها المسؤولون الروس والصينيون، كانت متطابقة على نحو ملحوظ، وكانت الكلمة الرائجة في المؤتمر هي »السيادة الرقمية«.

وما قصدوه تم إيضاحه من قبل فانغ بنكسنغ: الإنترنت تحميه الشركات الأميركية. والحكومة الأميركية يمكنها السيطرة على هذه الشركات، وهكذا فإن الإنترنت تحت سيطرة الحكومة الأميركية، والدول الأخرى ينبغي أن تحرس فضاءها الإلكتروني. تشيغولييف كان صريحاً بالمثل. »هيمنة الشركات متعددة الجنسيات على شركات الإنترنت تؤدي إلى احتكار الأسواق، مع عدم تحديد الدولة لحدودها بعد«.

لكن الاستراتيجية الروسية للتعامل مع هذه الهيمنة فشلت، وتم إيضاح ذلك من خلال الصورة التي قدمها زهاروف لمنجزات وكالة رقابته، وقد أشاد بالشركات الصينية التي نقلت خدماتها إلى روسيا، لكنه لم يأت على ذكر أي شركات غربية قامت بالشيء نفسه، وكان هذا هو جوهر الموضوع.

 

Email