استراتيجية واحدة وأصوات متعددة

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا جدال في أن التحديات التي تمر بها المجتمعات والظروف التي تواجهها، تفرض عليها الجاهزية الدائمة في الاستباق بخطوة، إن لم تكن خطوات، حتى لا يدور العمل في إطار من رد الفعل الذي يجعل صاحبه في موقف المصحح والمبين والمدافع والموضح والكاشف، وكلها، على أهميتها، لا تغني عن دور المبادر، مالك زمام الرؤية ورسم الصورة والتأثير، إن لم تكن صناعة الحدث نفسه..

كما أن عصر التكتلات الإعلامية والكيانات الضخمة، التي ترسم الصورة كما تريد، وتدق في ما بينها دقاً منتظماً على ذات الأوتار، حتى يصبح ما تقوله حقيقة قائمة، وكأنها تحيط الفرد بدائرة مغلقة، يصعب معها الفكاك منها، وهو الأمر الذي غير من الوظائف المتعارف عليها للإعلام، من الناقل للحدث بموضوعية ودقة وتوازن، إلى أنه أصبح مشاركاً فيه وصانعاً له..

ولم تعد للموضوعية مكان بقدر الدفاع عن سياسة إعلامية موضوعة سلفاً، محددة أهدافها، مرسومة آلياتها، بل إنها أصبحت قادرة على صناعة واقع خاص بها، قد يختلف ويتناقض مع الواقع المعاش، وزاد الأمر، الهبوط في مستوى الممارسات الإعلامية، من لغة هابطة، وصلت أحياناً إلى ما يشبه الردح، فضلاً عن التضليل المتعمد والتنابز.

من هنا، جاءت أهمية العمل الإعلامي المشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي، من منطلق المسؤولية تجاه المتلقي، عبر نقل الحقيقة، في ظل انتشار الشائعات والأكاذيب وحماية الرأي العام، في الوقت الذي تدور فيه آليات ضخمة للتضليل الإعلامي، لإحداث حالة من الارتباك والتشويش..

فيفقد المتلقي الثقة في كل ما يقدم له، والارتقاء بضوابط الممارسة الإعلامية، باعتبار تأثير وأهمية الكلمة الإعلامية والمستوى اللغوي المتداول، والذي يتلقاه بلا شك النشء والشباب، وبخاصة أن دائرة الممارسة اتسعت، فلم تعد مقتصرة على المؤسسات الرسمية..

ولكن جاء هذا الوافد الجديد من وسائل التواصل الاجتماعي، وتعاظم دورها، وخاصة بين الشباب، كل هذا تطلب وقفة، تم اعتماد آلياتها في الاجتماع التاسع عشر لوزراء الإعلام بدول مجلس التعاون لدول الخليج، والذي عقد في أبوظبي، منذ أكتوبر 2011، متضمنة الخطوات التنفيذية لاستراتيجية العمل الإعلامي المشترك بين دول المجلس حتى عام 2020.

واتفق الوزراء على أن تكون الاستراتيجية (2010 / 2020)، هي الإطار الذي تعمل داخله أجهزة الإعلام لدول المجلس، من خلال رؤية تتمثل في «إعلام محترف، يدفع دول مجلس التعاون نحو الوحدة، ويعزز علاقاتها بالعالم».

وهذه تضع أساساً لرؤية دول المجلس للحالة التي يجب أن تكون عليها وسائل الإعلام، ومنها الاحترافية، سواء في التعامل مع المتغيرات والأحداث من حوله، وكذلك في الأداء والممارسة، ومن حيث البنية الفنية والتجهيزات، في عصر يغيب عنه عنصر من هذه العناصر، يصبح بلا شك خارجه، كما أن تحديد الرؤية في أن الإعلام يوحد لا يفرق، هو منحى يعبر عن الخطاب الإعلامي المسؤول، الذي يحمل رسالة وطنية، تقدر أهمية وخطورة الكلمة المسموعة والمرئية..

وأن الإعلام لا ينبغي له أن يكون عاملاً من عوامل الصراع، بقدر كونه طرفاً في إدارة الأزمات وحلها، إعلام يخرج من قاعدة واحدة، هدفه البناء لا الهدم، التجميع لا التفريق، نشر التسامح، وليس زرع الشقاق والبغضاء، حتى وهو يلقي الضوء على جوانب الخلل، إن وجدت، تكون فلسفته، الرغبة في المعالجة..

وليس الإثارة والتهييج ودغدغة مشاعر الناس، في الوقت الذي لا ينغلق فيه على نفسه دون الانفتاح على العالم، في عصر زالت فيه الحدود الإعلامية بين الدول، مع الحفاظ على الهوية والخصوصية الثقافية..

والتي هي ثابت مشترك بين دول المجلس، وهو ما أكدته الرؤية التي تنص على«تقديم إعلام متطور، يخدم مصالح دول المجلس وشعوبها، ويمتلك الموارد البشرية والفنية اللازمة».

والحق أن إعلاماً يخدم مصالح دول المجلس وشعوبها، هي محددات عمل للقائمين على صناعة الإعلام في كافة دول المجلس، من خلال مواجهة كافة حملات النيل أو التضليل أو التشوية لواقع قوي، استطاعت دوله أن تحقق طفرات تنموية، جعلت الأكاديميين يتوقفون طويلاً أمام التنظير للمراحل التنموية التي تمر بها الدول.

كما أن الممارسة التي شملتها الاستراتيجية، اشتملت على قيم عمل، تتمثل في الحرية، والتي تعني الحق في نشر المعلومات، في إطار من المسؤولية والمهنية، بمعنى استخدام الأسس العلمية والمهارات الفنية عند ممارسة العمل الإعلامي..

فضلاً عن الشفافية، من خلال تزويد الجمهور بالفكرة السليمة والأخبار الصحيحة، وأن يتم ذلك كله بجودة، تشمل الالتزام بالمعايير المهنية، والتحسين المستمر في الأداء.

لقد حان الوقت لكي يتم مراجعة الممارسات الإعلامية لدول المجلس، لكي تظل تلك الرؤية والرسالة والقيم، هي المحددات التي لا يحيد عنها الممارسون في الحقل الإعلامي، ولتكن الاستراتيجية واحدة، وإن تعددت الأصوات.

 

Email