مجلس التنسيق السعودي الإماراتي

ت + ت - الحجم الطبيعي

وقَّعت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة اتفاقية إنشاء مجلس تنسيقي بين البلدين، في حدث تاريخي مهم، لا تتوقف أهميته على مستوى الدولتين فقط.

بل تشمل أهميته المنطقة والأمة العربية والإسلامية، وقد لاقى هذا الحدث التاريخي صدى إيجابياً وترحيباً كبيراً في الداخل والخارج، نظراً لأهميته الكبرى ومنافعه العظمى، خصوصاً في هذه المرحلة الصعبة من التاريخ، ولامس هذا التنسيق المشترك التطلعات العربية الرامية لتوحيد الصفوف وتلاحمها..

ولامس حاجة الواقع إلى مثل هذا التنسيق، فقد أثبت الواقع أهمية بل ضرورة التحالفات والشراكات الاستراتيجية للتغلب على الأخطار والتحديات المحدقة، وهو ما يعكس حرص قيادتي الدولتين على المصالح العليا ورفع سقف التعاون بين البلدين لتحقيق النتائج المثلى في القضايا المشتركة.

إن أهمية هذا التنسيق كبيرة، ومنافعه كثيرة، سيما أنه يأتي في مرحلة زاخرة بالتحديات، وإذا استعرضنا بعض صور الواقع نلمس ضرورة ذلك، فإنَّ من له أدنى اطلاع يعلم حجم التحديات الكثيرة التي واجهت الدول العربية في السنوات الأخيرة، خاصة عقيب ما يسمى بأحداث الربيع العربي.

وكانت دول الخليج من جملة الدول المستهدفة، وكانت التيارات الطامعة في السلطة كالإخوان وغيرهم تنظر بعين إلى الثورات وتنظر بعين أخرى إلى الخليج، وهو ما دفع بعضهم إلى المناداة علانية بتصدير الثورات إلى دول الخليج..

ولكن باءت هذه الأوهام بالفشل، وطاشت في الهواء كهشيم تذروه الرياح، وانكشف عوار التيارات المعادية، وبان خطرها وضررها، فكان ذلك ناقوس خطر تجاه هذه التيارات، ومع اجتياح الثورات بعض الدول العربية وإفرازها لواقع مؤلم بل مأساوي يتعدى ضرره ويتطاير شرره دق ناقوس خطر آخر، خاصة وأن هذه الثورات أدت في بعض الدول إلى حالة مريرة من الاحتراب الداخلي..

والتي لاتزال أنهار الدماء تسيل بسببها، مما خلَّف مآسٍ إنسانية موجعة، وشكل تهديداً للأمن القومي العربي وتهديداً لدول المنطقة والجوار وتحدياً كبيراً يستدعي جهوداً من نوعية خاصة للتعامل مع هذا الملف الشائك..

كما أن السياسات الإيرانية المعادية وتدخلاتها في شؤون الدول العربية وأطماعها في السيطرة والتوسع كان ناقوس خطر أكبر، فقد شكلت هذه التدخلات تهديداً كبيراً للأمن العربي والخليجي..

وكانت الأيادي الإيرانية الملوثة في العراق وسوريا ولبنان واليمن تزرع الفتن وتدعم ميليشيات الخراب والدمار، إضافة إلى أن هذه الأخطار ساهمت في صعود الإرهاب، ومكنت تنظيمات داعش والقاعدة من الاستيلاء على مساحات جغرافية كبيرة وموارد كثيرة في العراق وسوريا وليبيا واليمن، وهو ما من شأنه وضع دول المنطقة في دائرة مشتعلة محاطة بالفوضى والإرهاب والتطرف والميليشيات من جميع الاتجاهات، وجعلها تحت مرمى نيران التنظيمات والميليشيات الإرهابية، التي تهدد أمنها وسلامة حدودها وشعبها ومنشآتها تهديداً مباشراً..

وقد تجلى ذلك عياناً في العمليات الإرهابية والاعتدءات التي طالت بعض دول الخليج، ولم تتوقف هذه الأخطار على الناحية الأمنية والسياسية فقط، بل شملت أيضاً الناحية الاقتصادية، فوقوع مضيق باب المندب مثلاً تحت سيطرة الحوثيين وإيران كان سيشكل خطراً كبيراً على الاقتصاد الخليجي والعربي وعلى التجارة الخارجية وسلامة النقل البحري.

هذه التحديات الكبيرة تطلبت من دول الخليج والدول العربية تحركاً مشتركاً فاعلاً لمعالجتها، فكان إنقاذ مصر وتصحيح مسارها خطوة جوهرية في العملية الكبرى لإطفاء الحرائق، وكانت دولة الإمارات والسعودية في مقدمة الدول الداعمة لمصر لتعود إليها عافيتها، تلا ذلك عملية عاصفة الحزم بمشاركة قوات التحالف العربي ..

وعلى رأسها القوات السعودية والإماراتية، لاسترداد الشرعية في اليمن، وإنقاذ الشعب اليمني الشقيق، وتخليص مضيق باب المندب من قبضة الحوثيين وإيران، ودحر وطرد تنظيم القاعدة من المدن التي سيطر عليها، وحققت قوات التحالف العربي نجاحات نوعية مبهرة في ذلك.

إن هذه المعالجات الفاعلة أثبتت الأهمية الكبرى للتحالفات العربية، وأنها ضرورة مؤكدة لتوفير البيئة الآمنة والتصدي للأخطار المحدقة، فالتعاون مصدر القوة، والاعتماد على الذات هو صمام الأمان، كما أنها أكدت عمق العلاقات الإماراتية السعودية، وعكست الرؤى الاستراتيجية المتسقة بين الدولتين تجاه القضايا والملفات المشتركة، وأبرزت حكمة القيادتين والهمَّ المشترك في تحقيق الخير للبلدين والمنطقة..

فجاءت مبادرات إماراتية سعودية عدة تترجم ذلك، كان من أبرزها عاصفة الحزم التي اصطفت فيها القوات الإماراتية والسعودية جنباً إلى جنب في لُحمة واحدة، واختلط فيها الدم الإماراتي والسعودي على أرض اليمن الشقيق لتروي للأجيال ملحمة بطولية إماراتية وسعودية باسلة، لتُتوَّج هذه الجهود بإنشاء مجلس التنسيق السعودي الإماراتي في خطوة تاريخية تضاف إلى الخطوات السابقة، بهدف تكثيف التعاون الثنائي بين الدولتين..

وقد أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان،حفظه الله، عمق ما يربط الإمارات والسعودية من علاقات أخوية وصلبة تستند إلى إرادة قوية ومشتركة لتحقيق مصالح البلدين، وتعزيز دورهما في تحقيق أمن واستقرار المنطقة، وأن التحديات الماثلة أمام المنطقة تحتم مضاعفة الجهود والتنسيق المكثف والتشاور المستمر لمواجهة الأجندات الخارجية ومخاطر الإرهاب والتطرف.

إن التنسيق السعودي الإماراتي مصدر فخر وإعزاز، وخطوة رائدة في صرح التعاون المشترك بين الدولتين، ودرس كبير للجميع في أهمية التعاون، وثمراته العميمة، وتحفيز للدول العربية والإسلامية على التعاون والتنسيق فيما يحقق الخير للجميع.

 

Email